شعار قسم مدونات

يَدُها التي.. وأموالُهُ وسعادتنا

Blogs - mony

حاول مدّ يده للخلف وهو يتقدمها حتى تُمسك بيده في محاولة لإظهار مشاعر تجاهها أمام الكاميرات لكنها رفضت اليدْ بضربة خفيفة، وفي لقطة أخرى حينما خرجا من باب الطائرة حاول أن يمسك يدها لينزلا معاً الدرج لكنها صَدّته من جديد وتظاهرت بترتيب خصلات شعرها التي راحت تتطاير في الهواء.

 

لم تكن هذه السيدة إمرأة من بلادنا، بل كانت "ميلانيا" عارضة الأزياء التي أخذت لقب السيدة الأولى عندما فاز زوجها الملياردير صانع المشاكل العالمية برئاسة أقوى دولة سياسية في العالم "دونالد ترامب".
ولم تكن تلك المرة الأولى التي يلاحق الإعلام حركاتهما كرئيس وزوجته، فمنذ بداية ترشحه وحتى ما بعد فوزه راحت وسائل الإعلام تترصدهما وما يقوم به معها أمام الكاميرات من جهة وردود فعلها تجاهه من جهة أخرى.

 

ففي يوم التنصيب بدا متجاهلاً لها وظهرت هي بوجه حزين ومتصنع، وفي وقت آخر أظهر ترامب ما وصفه محللوا لغة الجسد بالتعامل "الأبوي" تجاهها وليس زوجاً لزوجته، ما أشار الى علاقة لا تسير بشكل طبيعي بينهما، وقد قالت إحدى المحللات النفسيات إن "ميلانيا" تبدو غير سعيدة.

 

لم أكن لأهتم قطعاً بعلاقة غير سوية منذ البداية كعلاقة هذا الشخص بزوجته وهو الذي لم تعد الوصوفات تستوفي حقها فيه، شخص رغم وصوله لرئاسة دولة كأمريكا لكنه سيظل في نظر الغالبية وبخاصة نحن في الشرق الأوسط بأنه "رجل أعمال ملياردير صاحب أموال، وزير نساء"، هذا طبعاً إضافة الى كونه سياسياً قلب الدنيا على المسلمين في العالم فانقلبت كل الموازين من جديد ضدهم وخُرّبت الدنيا باسمهم.

 

لكن الأمر صار ملفتاً للنظر عندما بدأت وسائل الإعلام الأمريكية تقارن كيف كان أوباما يعامل زوجته بمنتهى الرقي والحب والاهتمام بل إن علاقتهما لم تكن مسبوقة بين الرؤساء وزوجاتهم، فيما ظهر ترامب من أول يوم زوجاً متسلطاً لا يعرف من اللطف والرقي في التعامل مع زوجته شيئاً على الرغم من معرفته بما يحتمه عليه منصبه من برستيج وبورتوكول حتى في علاقاته العائلية.

 

ومباشرة خطر ببالي مبدأ سيطرة المال والنفوذ وارتباطه بنجاح العلاقة بين أي زوجين، وقد تفاجأتُ أن نساء كثيرات ورجالاً كُثر ما يزالون مقتنعين أن المال والغنى والرفاهية والبيوت الباذخة والخدم والحشم والملابس الوفيرة والذهب تجلب السعادة وراحة البال، وهم يجزمون أن المال حقاً يفعل ذلك في أيامنا الحالية.

 

قلت لزوجي مباشرة ونحن نشاهد الفيديو وهي تصفع يد زوجها لتصدها: هل صنع المال السعادة العالمية لـ"ميلانيا" هذه؟ وماذا منحتها المجوهرات والأزياء التي ظهرت بها رغم محاولات الاحتشام "بحكم المنصب الجديد" سوى الازدراء والتصنع والابتذال الذي يبدو جلياً في عينيها؟ 

 

نحن أصحاب الرصيد "شبه صفر" في البنوك، و"بضع" دنانير مخبأة تحت الوسائد وبين ثنايا الثياب، قناعتنا بعلاقاتنا الزوجية لا تبدأ بتلك المقارنات أصلاً، ولا تتأثر بتلك الصور والأخبار

قد يجلب توفر المال لدينا نحن البشر "الطبيعيون" بعض الراحة والطمأنينة في حياتنا الزوجية، بالطبع لا شك في ذلك… ولهذا نحن نحاول بأقصى جهودنا أن نوفره وبعضنا يحاول أن يوفر أكثر من حاجته من أجل مستقبله ومستقبل أبنائه، لكنه لم يكن يوماً مقياساً للعلاقة ولمدى نجاحها بين أي زوجين على عكس ما يروجه لنا المشاهير وأصحاب الملايين الذين يظهرون لنا ليل نهار في كل وسائل الإعلامية والتواصلية المتاحة، بل إنني أؤمن تماماً أن المال قد يكون دون أدنى شك شيطاناً يطيح بالعلاقة الى هوة لا مخرج منها سوى بانتهاء العلاقة.

 

"فلانة اشترى لها زوجها عقداً بمليون دولار، أو فستاناً مرصعاً بالذهب والألماس" أو "رجل الأعمال الفلاني أقام حفل زفاف أسطوري كلف بلايين لم يسبق أن رأى أحداً مثله" هي أخبار لا تعنينا سوى بهدف الضحك وتناقلها بين الأصدقاء، وقد تكون مثار مزاح عابر بين زوجين يجلسان أمام التلفاز بعد أن نام أطفالهما.

 

نحن أصحاب الرصيد "شبه صفر" في البنوك، و"بضع" دنانير مخبأة تحت الوسائد وبين ثنايا الثياب، قناعتنا بعلاقاتنا الزوجية لا تبدأ بتلك المقارنات أصلاً، ولا تتأثر بتلك الصور والأخبار، فيَدُها المُصوّغَة بأساور الألماس صدت بها يَدَه الممتلئة بالمال والسلطة… فيما تتشابك أيدينا الفارغة معاً بحبّ حقيقي وبساطة لا تنطفأ بخبر "الراتب لم ينزل بعد يا حبيبتي".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.