شعار قسم مدونات

يموت الكاتب حين يسقط فكريا

blogs صلاح الدين
عندما يخرج الكاتب من فضائه الأدبي ويدخل في فضاء البحث التاريخي، ويكون خارجا عن قواعد فهم الكلمة وأبعادها التاريخية، ثم يخلط التاريخ بالترهات متناسيا بروتوكولات الأدب والآداب، ويشوه الحقائق التاريخية ويزور المصادر، ويتلاعب بالتوثيق، ويلفق التهم لشخصيات وقامات تاريخية يشهد لها علماء الدين وفقهاء اللغة وأمانة المؤرخين عربا كانوا أو غربيين، ويصنف كما يحلو له ويتبجح دون أي رادع أخلاقي أو أدبي، هنا يسقط الكاتب تدريجيا في الهاوية.
 
وجوهر الموضوع هنا أن أحد الكتاب المرموقين أساء بالتصريح والتجريح لفظا لشخصية تاريخية عظيمة وهذه الشخصية هي التي تمت على يدي صاحبها تحرير بيت المقدس من الصليبين والذي عجز أعتى القواد المسلمين والعرب عن تحريرها في ذاك العصر، ألا وهو الناصر صلاح الدين الأيوبي، وهو المقصود في التجريح صلاح الدين الأيوبي، يصنفه الكاتب الروائي يوسف زيدان على إحدى القنوات المصرية بلقاء حواري مع الإعلامي عمرو أديب، طبعا وهو الفاقد للضمير الأخلاقي، أي يوسف زيدان، فقال بعد أن سأله المذيع عمرو في برنامج يوم الأربعاء بتاريخ 10 مايو 2017 عن صلاح الدين.
 
فأجاب أن صلاح الدين الأيوبي واحد من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني على الشاشة الفضية المصرية، يتحدث بكل أريحية وحرية أن صلاح الدين الأيوبي شخصية حقيرة.. السؤال الذي يطرح نفسه؛ لماذا في هذا الوقت يخرج علينا زيدان ويصرح بهذا القول، علما أن الماضي السياسي كان مفتوحا أمامه.
 
لماذا على الأقل لم يذكر هذا القول في عهد الرئيس المعزول حسني مبارك، أو الرئيس أيضا المعزول مرسي، لماذا الآن وفي حكم العسكر يتجرأ ويقول ما قاله، لكن هو ورأيه في هاوية السقوط، لكني أنا كقارئ أقول بكل تواضع ودون أن أخرج عن بروتوكول الأدب، أن يوسف زيدان لا علاقة له بالتاريخ وبفهم التاريخ. إنما هو كاتب روائي جميل ومترجم على ما أعتقد ويمتلك أسلوبا سرديا ووصفيا رائعا وممتعا حقيقة، وخصوصا في ترويجه للجنس، فهو عبقري في نقل الصورة للقارئ.
 

الشهادات والكتب والوثائق التي جمعت على شهامة وشرف ونقاء وصفاء وتقوى وبطولة صلاح الدين الأيوبي، أيعقل أن يكون الكتاب والمؤرخون كلهم كاذبين ويوسف زيدان صادقا.

وهذا ما قرأناه في الروايتين الجميلتين عزازيل وظل الأفعى، والتي كانت ترتكز فلاشاته الفكرية ذات الطابع الشفاف بفن الحبكة، والتي من خلالها تشد القارئ إلى المتعة والمزيد من القراءة، ليصل القارئ بالتالي إلى إحراق كل السعر الحرارية وتؤدي به إلى نشوة القراءة وإلى الحفظ نعم، إنه فنان بالعقدة ومن يمتلك هذا الخيال الأدبي الخصب لا يحق له في أي حال من الأحوال أن يتمادى بالإساءة إلى قامة تاريخية عريقة وأصيلة في الفروسية والشهامة والأخلاق والورع والتقوى المتمثلة في شخص العادل صلاح الدين الأيوبي.
 
والذي شهد له علماء التاريخ والأدباء الغرب قبل العرب بأنه كان نموذجا للحاكم والقائد والسلطان، وممن شهد له في عصرنا هذا؛ كتّاب أكثر بكثير مما يظن يوسف زيدان، لذلك أقول إن كنت تعشق القراءة كما تعشق فن الرواية وفن الإساءة؛ فاقرأ ما ذكره الدكتور محمد مؤنس عوض، والذي ألف عددا من الكتب منها صلاح الدين الأيوبي بين الحقيقة والأسطورة، ثم كتاب رحلتي إلى صلاح الدين، ولم يكتفي الكاتب بل أظهر جمال فروسيته بإجماع أهل الشرق والغرب، فكتب صلاح الدين الأيوبي فارس عصر الحروب الصليبية ولم يكتف أيضا بذلك، فأصدر كتابا عن دار الكرز في القاهرة بعنوان قالوا عن صلاح الدين الأيوبي، شهادات من الشرق والغرب.

ومن ضمن الشهادات التي تشهد بأنه عادل وفارس ومحرر بيت المقدس الذي عجز عن تحريرها من بعده إلى يومنا هذا قادة العرب؛ اقرأ شهادة الكاتب العماد الأصفهاني، ربما لا تستطيع لأن الذائقة الأدبية لا تستوعب إلا الثقافة الجنسية، وهذا كما أسلفنا في بداية الموضوع عن أعماله الرائعة، ولكون الشهادات تختص بالبطولة وبورع من كانت بحقه، نعم، ومما ذكر الأصفهاني أن صلاح الدين الأيوبي ترك كثيرا من أبنائه، وعند وفاته ترك لهم في خزنته دينارا وستة وثلاثين درهما، أقول هنا في هذا الخصوص للكاتب زيدان، اذكر لنا رئيسا واحدا من العرب أو ملكا أو أميرا أو وزيرا أو قائد جيش أو قائد شرطة أو موظفا مرتشيا ترك بعد وفاته عشر آلاف ضعف مما ترك القائد العظيم الذي تجرأت عليه.

لماذا لا يكون هذا البطل مثالا بالنبل للقادة العرب، أيعقل أن تشتمه، ألا يصلح أن يكون درسا لكل القادة والزعماء الظالمين الذين يحتكرون كل شيء وينهبون أموال الشعب كي يورثوا أبناءهم، ولتقرأ إن كان لديك وقت للقراءة، ما كتبه المؤرخ الروسي ميخائيل زابوروف عن شخصية صلاح الدين، ولتقرأ ما كتب المؤرخ الفرنسي كود كاهن، ولتقرأ للمؤرخ البيزنطي نيكتاس خونياتس.
 

الشهادات والكتب والوثائق التي جمعت على شهامة وشرف ونقاء وصفاء وتقوى وبطولة صلاح الدين الأيوبي، أيعقل أن يكون الكتاب والمؤرخون كلهم كاذبين ويوسف زيدان صادقا، والذي مصداقيته تكمن في أعماله التي يسلط فيها الضوء على الثقافة الجنسية.
 

استطاع يوسف زيدان ببطولة نادرة أن يتجرأ على قائد عظيم وهو العادل صلاح الدين الأيوبي، مع ذلك هو لا يدري بأنه مدحه حين ذكره بالسوء بدليل بيت واحد من الشعر وهو: وإن أتتك مذمتي من ناقص.

إذن كيف لصاحب هذه المبادئ الهفهافة والشفافة المميزة أن يخرج فجأة من دائرة الرومنس المبتذل والمتخيل، ويخوض في مجال تاريخ أشرف رجل من عصره إلى الآن كقائد؛ لكن لماذا لم يذكر المشاكل بالتفصيل التي حصلت بين الفاطميين في ذاك العصر، والتي أسفرت عن هروب عدد لا بأس به بعد انشقاقهم عن الفاطميين في عهد الخليفة الفاطمي المستعلي وبايعوا أخوه نزار، وعرفوا بالنزاريين بزعامة الحسن الصباح، ورحلوا بعد فشل حركتهم أو ثورتهم على المستعلي من الإسكندرية إلى إيران، وهناك اعتصموا في قلعة الموت الشاهقة ثم تآمروا في إيران على نظام الملك السلجوقي وزير السلطان ملكشاه واغتالوه فطاردهم ملكشاه. من كتاب النفس العربية للكاتب والإعلامي والشاعر اللبناني الراحل رفيق المعلوف.

لذلك وأكثر يخطر لنا سؤال؛ وهو هل تعلم يوسف زيدان التاريخ في مدارس مصر العروبة وأم الدنيا هكذا بأن صلاح الدين الأيوبي هو أحقر شخصية في تاريخ الإنسانية، إن تعلم في مدارس مصر، هذا التاريخ، فنحن أيضا تعلمنا التاريخ العربي الحديث والقديم وتعلمنا أيضا أن الحاكم بأمر الله، كان رجلا مجنونا وهوايته الحمام وكش الحمام.

أما الحقيقة الآن، أود أن أضرب المنطق بالمنطق وأقول هل يستطيع يوسف زيدان أن يصرح أمام الناس على التلفاز بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي ظالم لشعبه؛ أتحداه أيضا أن يقف أمام أمين شرطة ويقول له أنت مرتشي، لكنه استطاع ببطولة نادرة أن يتجرأ على قائد عظيم وهو العادل صلاح الدين الأيوبي، مع ذلك هو لا يدري بأنه مدحه حين ذكره بالسوء بدليل بيت واحد من الشعر وهو: وإن أتتك مذمتي من ناقص، تتمة البيت متروك لفهم الكاتب يوسف زيدان صاحب الأعمال الأدبية الراقية جد،  لذلك أنصحه أن يحمل تحت إبطه بعض أعماله الأدبية ويذهب إلى أي مقهى شعبي ويتعاقد معه على العمل كحكواتي وخير الكلام ماقل ودل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.