شعار قسم مدونات

الإسلاميون والاستعصاء السلطوي

blogs - شيوخ دين
لماذا وقف الفكر الإسلامي عند حدود معينة في التجربة الإسلامية ولم يحاول الاستفادة من خلال المشاركة في سياسة الأنظمة الحاكمة ومن الحكم في إدارة الدولة؟ ولماذا لا يكون الفكر الإسلامي شكلا من أشكال الحكم؟ وهل ظهور المقاربة العلمانية هو السبب في تراجع الحركات الإسلامية؟
لعل أبرز الإشكاليات التي تثار حول هذه المقاربة تتعلق بالإجابة عن التساؤل، أي الأمرين خير، إبعاد هذه الحركات عن العمل السياسي والحزبي وإعدامها قبل أن تبلغ مرتجاها، أم منحها الحرية في تولي شؤونها السياسية مباشرة؟

لا يخفى أن الفكر لم يكن مضبوطا بل كانت تعتريه كل أنواع الفكر القومي والاشتراكي، ولم يخلو من قيد التقليد ومدارات الخلاف والسجال الذي لا يفيد، حيث صارت الشعوب مختبرا للتجارب وصارت الدول تحكم شعوبها بالحديد والنار وهذا سببه غياب بوصلة القيادة وغياب الفكر الإسلامي العقلاني والاستراتيجية الإصلاحية الدينية عن الواقع المعاصر، مما أدى إلى إشاعة حركات مبتلاة بالجمود الديني والاستبداد السياسي تسيطر عليها دعاوى أخرى.

لنتفق أولا أن الإسلام لم يكن في يوم من الأيام عبارة عن منظومة آراء كتب لها عمر طويل لكي نقبل بمبدأ الرأي والرأي الآخر إذا كان هذا يعني المساس بقدسيته، فإما مبدأ العقيدة ثم العقيدة أو البحث عن أيديولوجية وضعية أخرى.

نحن نخجل من البوح أن ثقافتنا هي ثقافة عربية إسلامية ويصر حكام العرب على أن يحكموا الأمة بعقيدة مخالفة لعقيدتها، لتصبح السياسة المتبعة بمثابة القنوات المسدودة للتعبير عن الرأي

يعتبر الفكر الإسلامي الذي تعددت مفاهيمه لدى كثير من الباحثين العرب والمسلمين وحتى المستشرقين مفهوما هلاميا لا يكاد يرسو على تعريف ناجز بين المعالم لمن لا يعرف، فهو فكر واعتقاد وفقه وتشريع ممنهج وعميق يخفى على معظم المتطلعين، وليس مجرد أقوال نرددها أو قول للقلم إنما قول للفعل والبحث والتفكير والتجديد وما يميز دعاة الفكر الإسلامي التعاطي السلمي مع قضايا المجتمع وشؤونه العامة بعيدا عن بروباغندا الإيديولوجيا، فأنظر لحواراتهم كيف تدار وكيف يقبلون الاتلافات بينهم، فلنا فيها دروس وعبر، وهذا لا ينفي فشل البعض منهم في توفير مناخ سياسي تشريعي ديني سليم والتخلي عن النزعة الدينية الصارخة والركون إلى جانب واحد.

يجب أن يكون الفكر الإسلامي أم السياسة، يعني أصل السياسة، فالإسلام هو الدين الذي نتشاركه جميعا رغم اختلافنا وما يميزه هو العلوم الأخلاقية والاجتماعية والنفسية التي تعد أهم من العلوم المادية، فقد كان وما زال يشكل البنية العقلانية للأمة تتجلى كأوضح ما يكون ولا أقصد العقل السياسي فقط إنما العقل الجمعي الإسلامي العام كفكر الفقه المبني على التاريخ، ومع ذلك فهناك العديد من التداعيات المستهجنة التي تبديها قوى مختلفة حول قضية الإسلام السياسي وتبدي تأففا من فكرة إدماج الفكر مع السياسة كما كان الفكر الإسلامي يرفض فكرة الخضوع الكامل للسلطة السياسية، ولنا في هذا المثل دليل.

يتعمد البعض الجهل والتجاهل حول مفهوم الفكرة الدينية والحضارة الإسلامية حيث ينهشون من الفكر الإسلامي ما يريدون ويتركون الباقي دون تطلع ممعن لجوهره فنجد تحزب فقهي وانقسام طائفي وغير ذلك مما أصاب الأمة وهذا الجدل الملعون في حقائق الدين وشؤون الحياة والجدل الذي هو أبعد شيء عن البحث النزيه، فعندما يستسقي المسلمون الحقيقة من غير مصدرها ” الكتاب والسنة” فإن الانقسام يصير لزاما، ويشكل انحرافا عن الطريق الصحيح للاتجاه الفكري الرشيد وللنهضة.

نحن نخجل من البوح أن ثقافتنا هي ثقافة عربية إسلامية ويصر حكام العرب على أن يحكموا الأمة بعقيدة مخالفة لعقيدتها، لتصبح السياسة المتبعة بمثابة القنوات المسدودة للتعبير عن الرأي وهذا ما يعكس دور الشعوب في صنع المشهد السياسي وتركيز الوضع الاقتصادي وهو أشبه بالعائلة الكبيرة المتخفية خلف غطاء ايديولوجي، ليبقى الصراع في جوهره حول الزعامة، مما يؤكد ضعف الصلة المباشرة بين الفكر الإسلامي والسياسة ولا سيما الأبجديات التي تمثل هذا الفكر.

هناك دول تحكمها الاشتراكية والقومية ولم تتمزق مثل ما تمزقنا؟ أنت تحكم شعبا مسلما حتى السياسة يجب ألا تعارض الشعب لتجد انسجاما بين الحكم والإسلام والسياسة، ولتحقيق النجاح.

خلاصة القول… ينقصنا الوعي السياسي والنظر إلى العالم من زاوية خاصة وهي زاوية العقيدة الإسلامية بالنسبة لنا كمسلمين، برعاية أهل الحل والعقد لأنها الأمل الوحيد لتعزيز المقاربات الإسلامية والإصلاح الداخلي، ولا أظن أن الشعوب الصليبية تعيش حضارة نادرة أعلت من شأن البشرية فيها وأعطتها حريتها بل سلبت دينهم وفرضت عليهم نظاما جديدا مسح كل قيمهم ونشر الرذيلة في كل الأرجاء، ولو لا فضل الله علينا ورحمته وأنه تكفل بحماية دينه لكان حالنا كما هي حالهم بعيدة عن كل ما يسمى بالمجتمع البشري، ناسين أو متناسين خصوصية المجتمع المسلم، ثم إن العديد من الأنظمة تحاول أن تقنع الغرب أنها راضية بالديمقراطية التي تخالف الإسلام في كثير من المبادئ، والغرب لا يرضى عنها، مهما قدمت من تنازلات، ومهما لبست من ثياب التمدن، وتناسى أولئك قول الله تعالى، (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ).

ما تتعرض له الشعوب من نكسات لم يكن سقوطا للفكر الإسلامي بحجم ما هو سقوط لدعاة الديمقراطية الذين دخلوا في صدام سياسي كان السبب في تأزم العلاقة بين الدولة والمجتمع وأحدث شرخا في صفوف المؤسسات السياسية ذاتها.

هناك دول تحكمها الاشتراكية والقومية ولم تتمزق مثل ما تمزقنا؟ أنت تحكم شعبا مسلما حتى السياسة يجب أن لا تعارض الشعب لتجد انسجاما بين الحكم والإسلام والسياسة والعقيدة، ولتحقيق النجاح عن طريق المكاشفة والمصارحة الصادقة، فإن التشخيص الجيد هو أولى خطوات العلاج، وإن نجاح الحركات الإسلامية في شقها الفكري والاجتماعي كان ناجحا ومبهرا، غير أن غالب الحركات الإسلامية اليوم ليس لديها قيادات فكرية تسطيع تجديد الفكر الإسلامي، والإحاطة بمجريات الأمور، حتى تتمكن من تجديد الحركة الفقهية، والقيام بعملها ودورها بمرونة وكفاءة، وتأسيس خطاب عادل كمفتاح لإدراك الواقع العام وخلق نموذج الدولة الإسلامية من أصول دينية متميزة موجودة في العالم العربي تستند في ذلك إلى رؤية حضارية من منظور قانوني كي يتم التعويل عليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.