شعار قسم مدونات

رجل غير مهم

blogs رجل غير مهم

سقط الرجل "غير المهم" أرضا

نظر إلى جراحه النازفة

تحسسها بصمت وخوف

وانتهت القصة

 

لا يذكر الرجل في هذه اللحظات طفولته

لم يكن يمتلك ألبوم صور لعائلته

 يبدو أنه ولد واقفا بظهر منحن إلى الأمام قليلا

يحمل كيسا من القوارير الفارغة

يخرج فجرا قبل عمال النظافة

 ليفرز حاوية القمامة باحثا عن زجاجة بلاستيكية

كثيرا ما يظفر بالعديد منها

فسكان البناية يشربون مياها معدنية وغازية

لا أحد من هؤلاء يقترب من الرجل

الذي تنبعث منه رائحة العفن

ولا أحد يبتعد أيضا

لا أحد يهتم

 

الدولة لم تهتم لأمره ولم تعرف أنه موجود هو أيضا لا يعرف الدولة ولا يهتم لأمرها وحين مات لم تعرف الدولة أنها فقدت أحد مواطنيها لأنه كان خارج عداد الأحياء والموتى. لم يذهب أحد لاستخراج شهادة وفاة فعلى كل حال الرجل الغير مهم لا يمتلك شهادة ميلاد

لم يقرأ الرجل كتابا في حياته

لم يقبل امرأة يحبها

ولم يكن له أصدقاء يسألون عنه

لذلك حين غاب لم يفقده أحد

 

هو لا يعرف والده

كانت أمه مجنونة

ولا أحد يعرف سبب جنونها

كانت تجوب الشوارع ليلا

حين اغتصبتها مجموعة من السكارى

أحرقوا أصابعها ومزقوا ثيابها

ورحلوا ضاحكين

 

بعد تسعة أشهر

جاء "الرجل الغير مهم" إلى الحياة   

ثم ماتت أمه التي كانت تأخذه إلى المكبات الكبيرة النتنة  

للبحث عن أكل

هو لا يتذكر ذلك الآن

لم يعش الرجل يوما

لذلك حين وجد ميتا على قارعة الطريق

لم ينتبه أحد..

 

الدولة لم تهتم لأمره

ولم تعرف أنه موجود

هو أيضا لا يعرف الدولة

ولا يهتم لأمرها

وحين مات لم تعرف الدولة

أنها فقدت أحد مواطنيها

لأنه كان خارج عداد الأحياء والموتى

 لم يذهب أحد لاستخراج شهادة وفاة

فعلى كل حال

الرجل الغير مهم لا يمتلك شهادة ميلاد

ولا فائدة تجنى من حصوله على شهادة الوفاة

لكن له اسم على الأقل

اسم لا يتذكره أحد.

ولأن الرجل عادي جدا 

لدرجة أنه لم يسرق مليما أبيض ولا أزرق من الأموال العامة

عادي جدا لدرجة أنه لم يقتل أحدا ولم ينظم إلى تنظيم إرهابي

 ولم يسمى أميرا على كتيبة ما

حتى أنه ليس متحزبا ولا ينتمي لحركة أو تيار أو عائلة فكرية

 أو حركة طلابية أو جمعية لحقوق الحيوان
 

كان معدما وبائسا ولم يكن يعرف الطريق إلى الوزارات والبرلمان ولم يكن يعرف معنى الكلمات الكبيرة كالبطل" و"المثقف" و"الثائر" " ولا معنى الشتائم الكبيرة أيضا "كالمفلس فكريا" و"المرتزق" و"العميل" و"الرجعي"

عادي لدرجة أنه لا يتبنى إيديولوجيا

ولا يشجع فريقا لكرة القدم

ولا يمتهن تجارة الأسلحة

أو ترويج المخدرات

ولأنه لم يشتم أحدا بسبب زحمة السير

ولم يذهب لينتخب رئيسا للجمهورية

وأعضاء لمجلس النواب

لأن لا صوت له ليشترى

لم ينتبه له أحد..

ولأنه أيضا لم يتصل بالتلفزيون أو الراديو

باحثا عن والده أو طالبا العون

 لم يتعاطف معه أحد

لذلك قرر ذات صباح أن يصبح شخصا مهما

أو "موجودا" على الأقل

حمل القوارير الفارغة التي جمعها طيلة أسبوع

وبادلها بقطع نقدية كالعادة

لم يذهب ليشتري خبزا

وإنما سكين

حاول أن يصنع شيئا مهما

مزق لافتة تحمل صورة الرجل المهم

لم ينتبه أحد..

 

فكر أن يسطو على محل

ولأن المحل كان صغيرا

وصاحبه أيضا كان فقيرا

لم ينتبه لهما أحد..

اعتبر أنها فكرة سيئة

ومضى يجرب أشياء أخرى

لم يفكر في أن يحرق نفسه أمام مبنى الوزارة أو البرلمان

ليصبح بطلا قوميا

تتناقل وسائل الأخبار صوره

 ويتبنى السياسيون قضيته

لأنه كان معدما وبائسا 

ولم يكن يعرف الطريق إلى الوزارات والبرلمان

ولم يكن يعرف معنى الكلمات الكبيرة

كالبطل" و"المثقف" و"الثائر" "

ولا معنى الشتائم الكبيرة أيضا

"كالمفلس فكريا" و"المرتزق" و"العميل" و"الرجعي"

 

لم يسقط الرجل "الغير مهم" وانما سقط القناع ذاك الذي كان يخيف الناس حوله فبدا وديعا حالما لم يسقط الرجل وإنما سقط القناع سقط قناع الحزن والقهر سقط قناع الصمت حين حل الموت

طأطأ الرجل رأسه بحزن

وقطع الطريق

 

على الطرف المقابل

كان "السيد المهم" يدخن سيجاره

ويسب أحد" كلابه" عبر الهاتف

وهو يقود سيارته بيد واحدة

كان "الرجل المهم" مشغولا بمتابعة قضية مهمة

و لم ينتبه وهو يدهس الرجل  "الغير مهم"  بسيارته الفارهة

 

لم يسقط الرجل "الغير مهم" وانما سقط القناع

ذاك الذي كان يخيف الناس حوله

فبدا وديعا حالما

لم يسقط الرجل وإنما سقط القناع

سقط قناع الحزن والقهر

سقط قناع الصمت  

حين حل الموت

يمكن للأطفال الآن أن يقتربوا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.