شعار قسم مدونات

العالم العربي والمد الإيراني

blogs - إيران
كنت في الصف السادس الابتدائي، لا أزال أذكر الموقف جيدا، لقد كنت أجلس في الصف الثاني ناحية اليسار وكان درس قواعد اللغة العربية، لا أزال أذكر وجه معلمي وقد بدا عليه الغضب ممزوجاً بشيء من الخوف، نسي فجأة أنه يدرس طلاب المرحلة الابتدائية ليبدأ كلامه في السياسة والتحذير مما يحصل، لا أزال أذكر جيداً كلمته "والله إن سقطت بغداد ستسقط بعدها دمشق، ووالله إن سقطت دمشق فاقرؤوا علينا السلام".
بعدها بأيام كنت عائدا إلى المنزل من المدرسة لأجد أمي بدلاً من أن تكون كعادتها تقوم بإعداد الطعام وجدتها جالسة في المطبخ تبكي وقد احمر وجهها من كثر البكاء، صوت التلفاز كان عالياً وكان الخبر: سقطت بغداد! لربما لم يكن السيناريو كما قصد ذلك المدرس، ولكن التنبؤ يقارب الواقع.

سقطت بغداد وسقط معها خط الدفاع العربي الأول في وجه المشروع الإيراني، والعالم "العربي" لا أقول يتفرج بل قد ساعد فعلا في سقوط بغداد، وكأن عيناه مغمضة عما يجري من تلاقح بين المصالح الغربية والإيرانية في المنطقة.

في السنوات التي تلت سقوط بغداد عانى العراق الأمرين تحت وطأة الاحتلال الأميريكي والاغتصاب الفارسي ثم الحكومات "الطائفية" المتعاقبة التي طبعاً كانت تعمل تحت الإشراف الإيراني أو إن شئت فقل الفارسي. لقد تم فتح خط كبير بين طهران والضاحية يمر ببغداد ودمشق، عاثت الأدوات الإيرانية الناعمة والخشنة في المنطقة فسادا ووسعت انتشارها وزادت من اتباعها وتجييشها الطائفي بشكل مذهول بل ومس دول الجوار أيضاً.

ولا تزال الدول "العربية" لا أقول تتفرج بل وتساعد بطريقة غير مباشرة، بدعمها للحكومات العراقية والسورية اللواتي أعلن الولاء الكامل لأمير الزمان ونائبه بالحق "الولي الفقيه".

متى يعقل العرب أنهم إن لم ينفتحوا على شعوبهم ويعطوها حقها ونصيبها وحريتها، ويبدؤوا باعتبار الثوار في سوريا والعراق حلفاء لا فصائل ليكونوا هم خط الدفاع الأول عنهم فإن نار فارس ستصلهم أذاها؟

قامت الثورات في المنطقة العربية واشتعلت المنطقة واستبشرت الشعوب بأنها ستتنفس الصعداء بعد طول تعب، فما لبثت الحكومات العربية في البلدان المستقرة أن خربت على الشعوب فرحتها وتآمرت مع الثورات المضادة ضد حريتها، أما في الشام فأبى الثوار الذل والخنوع وأعلنوا استعدادهم لإكمال ثورتهم ولو كان الثمن دماءهم وانطلقت الثورة المسلحة.

وكان الفرس على أهبة الاستعداد فانتهزوا الفرصة واستباحوا الأرض ودخلوا يعيثون فيها فساداً وأصبح وجودهم على أرض العراق والشام علناً جهاراً لا كما كان استتارا وتورية، فارتكبوا المجازر وانتهكوا المحرمات بحجة "حماية المقدسات" وهجروا بحقدهم الطائفي أصحاب الأرض وبانت ضغائنهم، حتى إنك لتشتم أنفاس ضغينتهم في أقاصي المغرب العربي والجزائر تارة على شكل بعثات ثقافية وفي قلب المقدسات في مكة والمدينة تارة أخرى.

أما حكام العالم العربي فلا أقول يتفرجون، بل وحتى الآن يساعدون عدوهم بتآمرهم مع الطغاة على شعوب المنطقة من أن تنال حريتها الشرعية كاملة. أما علم أولئك القادة أن قرابة ٣٥ عاماً من التجييش الطائفي والعسكري والدعم والإغراء المادي لشعوب منطقتهم، وعلى مرأى أعينهم كفيل بتغيير ولاء كثير من جماعات هذه الشعوب لصالح أعدائهم؟ أما علموا أن الضغينة الفارسية ستطالهم في بيوتهم؟ وأن أهداف المد الإيراني لتنصب في نهايتها على مناطقهم؟ فمتى يحسون بحر النار التي تلتهم ما حولهم؟

عندما أحس ساسة الخليج بالذعر وأن زاويتهم الجنوبية قد طعنت بفعل المد الإيراني، قاموا بدخول حرب خجولة مع ذراع من الأذرع الإيرانية في المنطقة، ولا أسوأ من الحروب سوى أنصاف الحروب، أنصاف الحروب التي لا تجلب للمنطقة سوى المزيد من الضياع والبناء الذي لا يكتمل، ولا ينال شعب منها "حرية".

متى يعقل العرب أنهم إن لم ينفتحوا على شعوبهم ويعطوها حقها ونصيبها وحريتها، ويبدؤوا باعتبار الثوار في سوريا والعراق حلفاء لا فصائل ليكونوا هم خط الدفاع الأول عنهم فإن نار فارس ستصلهم أذاها؟ وأن العالم الغربي يقف في الزاوية كضبع يتربص متى ينال من حصته؟.. أيا ليت قومي يعلمون!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.