شعار قسم مدونات

لا أريد أن أتضامن مع الأسرى

blogs إضراب الأسرى
نعم لا أريد! لا أريد أن أتضامن مع الأسرى ولا أريد أن أملأ كوباً من الماء النظيف من قارورة المياه المعقّمة في بيتي وأن أملأها بأجود أنواع الملح ومن ثم أضع كاميرتي وأتحدى أصدقائي والعالم بأسره أن يتضامنوا مع الأسرى بشربة ماء مالح.  لا أريد أن أشرب ماء مالحاً ومن ثم أركض نحو الحمّام النظيف في منزلي الآمن الهادئ، لأبصق ما تبقى في فمي أو لأستفرغ ما في معدتي من طعام وجبة الفطور أو الغداء أو التحلية لأن أمعائي قد انزعجت مما شربت. 

لا أريد أن أتضامن مع الأسرى بصورة على موقع فيسبوك مع شعار "إضراب الكرامة"، لأننا سئمنا شعارات بلا كرامة، نحن متعطشون للكرامة!  ماذا يشبهوننا الأسرى الملقون على أسرّة الموت المحتّم بعد أن حكم عليهم بالموت قبل هذا الموت الذي اختاروه، بماذا نشبههم؟ بالأسرّة التي ننام عليها أم بالماء الذي نشرب؟ هل نشبههم بصمودنا؟ هل يشبهوننا أنهم يعلنون عن إضرابهم على مسارح الفن وشاشات التلفاز بين تصفيق الملايين وهم يرتدون أرقى البزّات والفساتين؟ هل يشبه تصفيق الجماهير دوي الرصاص؟ وهل تشبه أنّات الجوع، نغمات أمعائنا التي تتضور جوعاً بين الوجبات الغنيّة التي نتناولها؟ 
 

أنا حقاً لا أريد أن أتضامن مع الأسرى، ولو كان التضامن وقفة جريئة وحرمان يذوقنا مرارة حرمانهم، فأنا لا أستطيع أن أحتمل هذا، ليس جبناً مني أو استخفافاً بالأسرى وحالتهم بل ضعفاً مني

هل نسينا أن الكثير بيننا لا يقوون على صيام رمضان طاعة للّه لا إضراباً عن الطعام؟ لا أريد أن أرفع شعارات تشبه شعارات كل الحملات التضامنية، وهم هناك يصارعون الموت، لا بل إنهم أموات يصارعون ما تبقى لهم من حياة! أعلم أن الكثيرون يعتبرونها طريقة للتعبير عن تضامنهم مع الأسرى، ولكن هل يقوى أي منّا على حرمان نفسه من الطعام مثلهم؟ ولو 48 ساعة فقط على سبيل المثال؟ هل نستطيع أن نقاوم أمعائنا وعقولنا بعيداً عن الجنود الأنذال والمستوطنين الذي تأصلت بهم القذارة حد تعذيب المضربين برائحة الطعام، هل نقوى على مقاومة رائحة بعيدة أو حتى قريبة، وهل نستطيع مقاومة خيالنا والانتصار على أمعائنا لننصر كرامتهم وكرامتنا؟

أنا حقاً لا أريد أن أتضامن مع الأسرى، ولو كان التضامن وقفة جريئة وحرمان يذوقنا مرارة حرمانهم، فأنا لا أستطيع أن أحتمل هذا، ليس جبناً مني أو استخفافاً بالأسرى وحالتهم بل ضعفاً مني وأخشى أن أعاهد ذاتي أن أستطيع وأنا أعرف كل المعرفة أنني لن أستطيع أن أتضامن معهم بالحرمان لأنني لا أعاني مما يعانون ولست أسيرة النذالة والقذارة ولست محتلة ولست مسجونة ولا شيء بي ولا لي يشبه ما لهم وما حل بهم!

إذا كان التضامن هو صورة وكوب ماء ورشة ملح وشعار على الإنترنت وموقف على التلفاز أو فيديو على سناب تشات، فأنا أصرّ كل الإصرار أن أتضامن مع الأسرى بالدعاء لهم بصمت وبيقين أن الله آخذ بيدهم حتى ولو كانت معدتي قد وصلت حد الشبع! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.