شعار قسم مدونات

ملحدون بلا إلحاد..

blogs - إلحاد

انتشرت مؤخرًا ظاهرة الإلحاد حتى أنك تقابل في يومك الكثير من الملحدين، تخرج من بيتك لتجد جارك الملحد يبتسم لك ابتسامته السمجة، تستقل الحافلة لتصطدم ببعض الملحدين، تصل عملك تجد أن مديرك قد انتحر بعدما قتل ابنه الملحد، تفتح صنبور المياه لينزل إليك بعض من الملحدين، طبعًا هذا لا يسعدك لأنهم قد انحشروا من قبل في ماسورة الصرف مما جعل المجاري تطفح في منزلك مخرجةً لك من البالوعة بعض الملحدين أيضًا.

كثير من الإلحاد بدأ يتفشى في مجتمعنا ولأسباب كلها مبتذلة ومائعة، يقرأ أحدهم كتابًا "لفريدريش نيتشه" أو بعض النظريات الفلسفية "لداروين" فيقرر أنه لا إله -حاشا لله-، وآخر يسافر إلى الغرب البعيد فيجد أمامه من ملذات الحياة ما يأبى عليه دينه أن يمسها؛ عندها تلمع عينيه في ذكاء رهيب، سوف يلحد وبهذا يهرب من عذاب ضميره ويأتي ما أراد من الفواحش في اطمئنان.

أما تلك الفتاة التي لم تستطع أن تتحمل منظر الذبح في عيد الأضحى فقررت أن تتحول للمسيحية ثم اكتشفت أنهم يذبحون الأبقار أيضًا ليتقوتوا ولا يكتفون بعملية البناء الضوئي للأسف، عندها تقرر الإلحاد ثم تذهب لتلتهم شطيرة من البرجر بعدما اطمئن قلبها لهذا القرار العبقري، يعود الطالب من جامعته جائع فيجد أن أمه قد أعدت له القلقاس الذي لا يحبه فيلحد، فتاة تركها شاب بعد علاقة دامت أسبوعين فقررت أن تلحد، هكذا أصبحت قصص الإلحاد اليوم حتى أن "داروين" لو قام اليوم من مقبرته لبصق في وجوههم ثم شهد أن لا إله إلا الله.

الملحد في بلادنا ليس بالضرورة يحتاج إلى النصح، قد يكون في حاجة إلى العلاج أولًا، والعلاج لن يتم إلا إذا عولج المجتمع بأكمله.

كان لي صديق غير مقرب متوسط التدين على قدر جيد من الذكاء عرفت قريبًا أنه قد ألحد، لم أتعجب بل على العكس، بدا لي الأمر منطقيًا تمامًا؛ فمعرفتي له تكفي أن أرى كيف كان يعشق لفت الانتباه وأن يكون هو محل الاهتمام وموضع اتجاه الأنظار، أمر إلحاده ليس له أدنى علاقة بقناعات أو توجهات على قدر ما له علاقة بشخصيته المريضة التي وجدت أن شذوذه الفكري عن محيط علاقاته سيضعه في بؤرة دائرة الاهتمام، سيقضي وقتًا ممتعًا حقًا وهو يرى الجدالات التي ستبدأ بسببه والنصائح والسباب والنقاشات والمرافعات التي سيكون هو دائمًا ضيف شرفها، سيظل هكذا حتى يقرر الناس أن الموضوع أصبح مملًا ولا جديد فيه، عندها غالبًا سيختار ديانة ما يؤمن بها ليبدأ أعوامًا أخرى من لفت الانتباه.

هذه النوعية لا تحتاج إلى نصائح بقدر ما تحتاج إلى علاج، لذا فإن صادفت أحدهم وأخبرك أنه ملحدًا فلتقل له "حسنًا" وتتركه وترحل، غالبًا سيصاب بالفالج من الغيظ، ويعلن توبته النصوح، ثم ينضم لأحد تلك الجماعات التي تكفِّر الجميع وتستحل دمائهم، فقط؛ لتكون أنت أول ضحاياه، ستدرك هذا وهو يضع السكين على رقبتك ويقول بصوت غليظ "هذا الكافر لم يعرني انتباهه، ولم يحاول أن يثنيني عن طريق الضلال عندما كنت ملحدًا".

هناك أيضًا نوع آخر من الملحدين وهو الأكثر انتشارًا في مجتمعاتنا العربية، هذا النوع يهدف فقط إلى استفزاز مشاعر أصحاب الديانات المختلفة، عن طريق إهانة مقدساتهم والسخرية من ثوابتهم ومعتقداتهم، وذلك لا أعرف له حلًا معينًا، ولكن من الممكن أن تمسك بكتاب الفيزياء للصف الثالث الثانوي وتبول عليه أمامه باعتباره الكتاب المقدس لديهم، كما أنك بهذا ستشفي كبتك الذى حملته لسنوات تجاه تلك الطلاسم التي أجبروك أن تدرسها وتؤدي فيها اختباراَ ما زالت آثار نتيجته موجودة على قفاك.

بالطبع هذا لا يعتبر حلًا فالموضوع أكبر وأعمق من هذا، ولكن يجب أن تدرك أن الإلحاد في مجتمعنا قد يكون سببه تغيرات نفسية ومزاجية نابعة من سوء الواقع المحيط وابتذال المؤثرات الخارجية من حديث رجال الأديان المختلفة في وسائل الإعلام، التي تطوع نبل وسمو الكلمات لتتماشى مع أهدافهم الربحية فقط.
 

مع الفجوة الهائلة بين المجتمعات الحالية على كافة المستويات سواء المادية أو الفكرية، كل ذلك إذا ما كان مصحوبًا بخلل في النشأة منذ الصغر، مع غياب القضية، فإنه ينتج نفوسًا في مهب الريح تستجيب لأوهى الأفكار، فالملحد في بلادنا ليس بالضرورة يحتاج إلى النصح، قد يكون في حاجة إلى العلاج أولًا، والعلاج لن يتم إلا إذا عولج المجتمع بأكمله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.