شعار قسم مدونات

لست حزينة على الدراما السورية

blogs - دراما سورية
تعيش الدراما السورية اليوم أكبر أزماتها التسويقية وأكثرها فداحةً، والتي أصابتها في العمق هذا العام دوناً عن أعوام الحرب الستة السابقة. وما تداول هاشتاغ (أنا مع الدراما السورية) الذي أطلقته الممثلة السورية شكران مرتجى وروّج له غيرها، كمحاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أعمال درامية خرجت من السباق الرمضاني، إلا دليلاً على فداحة المشكلة.
فمن أصل 26 عملاً، لم يستطع صُناعها سوى تسويق أعمال البيئة الشامية والـ Pan Arab، وبقيت الأعمال الاجتماعية التي صنعت واقعيّة الدراما السورية وشهرتها حبيسة أدراج منتجيها. المشكلة ليست فقط في افتقادنا لنجومها المحبوبين وغيابهم عن الشاشات العربية، بل في قطع أرزاق المئات من العاملين في حقل الدراما من كتاب ومخرجين وفنيين ومصممي ملابس وماكياج ومشرفي كومبارس وحتى سماسرة مواقع تصوير.

ورغم أني كنت من أشد المعجبين بالدراما السورية، ومن المتمسكين بمتابعتها في مواسم عرضها الرمضاني أو خارجه، ومن المدافعين عن أفكارها التي بدأت تنويرية، إلا أن ما وصلت إليه تستحقه عن جدارة. هذه الدراما التي أرست قواعد جديدة لفنّ الكوميديا في العالم العربي دون تهريجٍ أو ابتذال، كسلسلة مرايا الشهيرة وضيعة ضايعة وبقعة ضوء -حتى سنوات الحرب الأولى- وخرجت من استوديوهات التصوير المغلقة إلى شوارع سوريا وصحاريها وبِحارها. وقدمت الأعمال التاريخية بنصوصٍ مُحكمة، وتواريخ موثقة، ولغة عربية فصيحة سلسلة وسليمة، كالزير سالم وثلاثية الأندلس والتغريبة الفلسطينية. وقدمت أفكاراً تنويرية تواجه السائد بدون إهانته أو تشويهه كمسلسل ذكريات الزمن القادم وعصيّ الدمع. وقعت أخيراً في مأزق أخلاقي، لم يكن ليتوقعه أكثرهم تشاؤماً من متابعيها ومبدعيها.

كل دراما تدأب على اتهام الرأي السياسي المخالف للمنظور الرسمي بأنه إرهابي، وتتهم اللاجئ في أوروبا بالنكران، وتنعت اللاجئ في مخيمات دول الجوار بالدونية تستحق ما وصلت إليه.

فكل دراما تغترب عن بيئتها الثقافية وحِراكها السياسي، وتحاول التسويق لشكل اجتماعي جديد يُجافي القيم المتفق عليها، تستحق ما وصلت إليه.. كل دراما تتنكّر لمؤسسيها ومبدعيها، لصالح أسماء تسويقية أقصى ما يمكن أن تقدمه هو وجوه شمعية وثياب ماركات ولَكْنة لا روح فيها تستحق ما وصلت إليه.. كل دراما يتعاطى مؤدوها الحشيش والدخان أكثر من المُكسّرات، ويشرب ممثلوها الكحوليات أكثر مما يشربون القهوة تستحق ما وصلت إليه.

كل دراما تظهر مؤدياتها بثياب غرف النوم طوال العمل أمام ملايين المشاهدين، وتضيع ملامح ممثلاتها لكثرة البوتوكس والميك أب المفتعل تستحق ما وصلت إليه.. كل دراما تقدم -لما يزيد عن الثلاثين حلقة- الحياة اليومية لبائعات الهوى وراقصات الملاهي الليلية تستحق ما وصلت إليه.. كل دراما تسخر من رموز مجتمعها، وتنتقد العقيدة الدينية والطقوس التعبّديّة لمذهب الغالبية العظمى من أبناءه تستحق ما وصلت إليه.

كل دراما تدأب على اتهام الرأي السياسي المخالف للمنظور الرسمي بأنه إرهابي، وتتهم اللاجئ في أوروبا بالنكران، وتنعت اللاجئ في مخيمات دول الجوار بالدونية تستحق ما وصلت إليه.. كل دراما تديرها شركات إنتاج برؤوس أموال مشبوهة، ورؤوس أفكار فارغة تستحق ما وصلت إليه.

هذه هي الدراما السورية التي سيطرت في سنواتٍ خلت على سوق العرض الرمضاني العربي، هي اليوم لا تُمثل إلا نفسها، وليس لسوريا منها إلا الاسم…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.