شعار قسم مدونات

ويل للتعليم

مدونات التعليم

ماذا لو كان التعليم الأكاديمي مفسدا لحقيقة العلم و رادعا للمعرفة الحقة؟ "معروف أن الطالب الممتحن بقسوة كبيرة جدا يعترف بتنهيدة عميقة: شكرا لله أنني لست فيلسوفا ". ماذا لو أن تنهيدة الفرج هذه كانت هي هدف الدولة الحقيقي وكان "تدريس الفلسفة" مجرد وسائل ردع عن الفلسفة ؟.." عند قراءة ما قاله الفيلسوف الألماني نيتشه عن تدريس الفلسفة يجعلنا نطرح هذا السؤال على أنفسنا. ليس فقط حول الفلسفة إنما بشكل عام و أوسع حول كل العلوم "ماذا لو كان التعليم الاكاديمي مفسدا لحقيقة العلم ورادعا للمعرفة الحقة؟

إن التعليم الأكاديمي ظلم العلوم كلها حين أخضعها لمناهج محددة تنتج مئات النسخ من الطلاب المحشوة رؤوسهم بالعديد من المعلومات النظرية التي يضطر الطالب لحفظها فقط ليتجاوز الامتحان ويتحصل في النهاية على شهادة يضمن بها على الأقل لقمة العيش. بل إن إتاحة التعليم العالي للجميع هو الطامة الكبرى التي أثقلت كاهل العلوم وقتلت المعرفة.

ربما الهدف أصلا هو هذا؟ وهو إيجاد جيل ضعيف فكريا وعمليا غير قادر على إنتاج شيء ذا قيمة وفائدة فعلية لا تحدث تغييرا نحو الأفضل في واقعه بل تزيد الأمور سوءا.

فالجامعات اليوم لا تنتج عباقرة ولا نماذج تفكر وتوظف العلم النظري الذي تتلقاه في حياتها الواقعية لترقى بمجتمعاتها. خاصة في دول العالم الثالث. حيث أصبح الخريج الجامعي عبئا على المجتمع بدل أن يكون نافعا له كما يجدر به أن يكون حسب تكوينه العلمي. فبدل أن يساهم في الإنتاج ورفع المعايير الاجتماعية تجده عاطلا عن العمل لأسباب كثيرة أهما الهوة الكبيرة بين الجامعات والمؤسسات الوظيفية المتواجدة في بلاده أو غياب التنسيق بين مناصب العمل الشاغرة والمطلوبة وبين المقاعد الدراسية في الجامعة.

والأدهى من ذلك عدم قدرته على إيجاد رابط بين ما تم تلقينه له وبين ما يحتاج لممارسته فالواقع أمامه. إذا أخذنا الجزائر كمثال تجد القلة فقط من يتوظف حسب تخصصه الذي درسه بالتالي يجد نفسه مضطرا للخضوع لتكورين جديد حسب عمله وأمام الحقيقة المرة أنه ضيع سنوات عمره بلا فائدة اطلاقا.

وبما أن الهدف الأساسي للشباب اليوم من التعليم العالي تحصيل وظيفة فقط بعيدا عن البحث العلمي الذي يرقى بالأمم. الأجدر بالدول توفير التعليم للجميع حتى مستوى الثانوي فقط وبذلك يرد الاعتبار للجامعات وخريجيها حيث لا يتخرج منها إلا الكفاءات القادرة على إحداث تغيير فعلي في المجتمع ولا يدخلها أساسا إلا طالب العلم الحقيقي ومن يمتلك شغف البحث والتعلم. وهذا من شأنه إعادة الاعتبار أيضا للتعليم الأساسي حيث تصبح شهادة البكلوريا (شهادة التعليم الأساسي) كافية لتوفير منصب شغل لمن يبحث عن وظيفة فقط بدل إهدار سنوات أخرى ليجد الفرد نفسه في الأخير بطالا بشهادة عليا.

إن أساس نهوض المجتمعات هو المنظومة العلمية والتربوية إذا صلحت صلح حال البلاد كلها وإذا فسدت فسد كل قطاع فيها. القلة ذات الكفاءة خير من الكثرة التي تطغى عليها الرداءة في كل المجالات. فالطاقات الشبابية التي تقتلها الجامعات اليوم بمناهجها من شأنها أن تغيير الكثير لو وجهت توجيها رشيدا وفعالا ناهيك عن الغياب التام للنخب المثقفة التي من المفترض أن تتكون في الجامعات.

إن أساس نهوض المجتمعات هو المنظومة العلمية والتربوية إذا صلحت صلح حال البلاد كلها وإذا فسدت فسد كل قطاع فيها.

فما الفائدة حقا من تخريج ألف طالب في دفعة لتخصص ما حيث لا نجد شخصا واحدا منهم فقط متمكن فعليا من تخصصه؟ فلماذا مثلا أكثر من مئة خريج كيمياء أدوية في حين لا نملك مصانع للأدوية؟ ولم نحتاج الى ألف صيدلي في حين تم سحب الاعتماد منهم؟ ماذا سيفعل الصيدلي المتخرج بعد ست سنوات من الدراسة الشاقة؟ ولم نحتاج إلى آلاف الأخصائيين النفسانيين في حين لا نوظفهم ولا نعترف بهم.. فالثقافة المنتشرة بيننا أن المريض العقلي فقط من يحتاج إلى استشارة نفسية…؟ ما الفائدة حقا؟

ربما الهدف أصلا هو هذا؟ وهو إيجاد جيل ضعيف فكريا وعمليا غير قادر على إنتاج شيء ذا قيمة وفائدة فعلية لا تحدث تغييرا نحو الأفضل في واقعه بل تزيد الأمور سوءا. جيل اعتاد على استهلاك المعرفة كما يستهلك الأكل. فلا يحتاج للتفكير كثيرا في أصل ما يأكله أو ماهي نتائج عملية الأكل هذه أو إلى أين سينتهي به الأمر بعد ذلك فكل ما يهم حقا أنه يلبي غريزته ويأكل حتى يستمر بالعيش.. هكذا فقط انتهى الحال بالعلم والمعرفة فنحن ندرس لأنه علينا أن ندرس كواجب وطني فقط. فويل للمناهج التعليمية والأكاديمية للدول ولأساتذتها!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.