شعار قسم مدونات

حروف مبعثرة بين حقول الموت

blogs - نازحون من سوريا

أسوأ المراحل التي يُمكن أن نَصِل إليها أنْ يتجرأ قلمنا الكتابة عن جرائم الموت بأبشع صوره، التي تخطت حدود المنطق وأصبحت أداة تُمارس بحق البشر العُزل دون أدنى تبرير؛ لأنّ القلم لنْ يَرد الحقوق لمن أزهقت أرواحهم بدمٍ بارد، بل إنّه أضحى في هذا الزمن عاجزاً ومشلول الأركان بأن يستعيد دوره الأصلي في إزاحة الستار عنْ جبروت الحكم الظالم المنتشر في غالبية بقاع العالم.

إنّ مقدمتي السابقة لا تُنقص أبداً من دور القلم الذي أطاح بعصور كاملة، إنما هي كلمات تُجسد حالة العجز التي بتنا نعيشها أمام جرائم إنسانية لم توقفها منظمات يرتكز عملها تحت شعارات وهمية لا تلامس ظلم العالم وجبروته، وإنّما تُمارس دور شهود الزور بصمتها عن هذه الجرائم والاكتفاء ببيانات الإدانة وفي أوقات كثيرة لا نجدهم ولا نجد بياناتهم.

بالفعل نحنُ نعيش في عصر عجيب بكل ما تخفيه الأيام من جرائم إبادة بحق الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، فأصبحت الدول العظمى تتسارع إلى مصالحها على حساب الدم البشري دون أدنى اكتراث بالدمار والخراب المتزايد رقعته في مساحاتٍ شاسعة، ومَنْ يَتغنى بالعمل على وقف هذه الجرائم "كاذب" لأننا نرى أنّه يضاعفها ويزيد من حقول الموت.

وما هو راسخ أنّ الجرائم التي توثقها وسائل الإعلام أقل بكثير مما هو ممارس على الأرض، لأنّ مُعدي حقول الموت يحرصون أشد الحرص على إخفاء "إرهابهم" لضمان استمراريته بأساليب خبيثة لا تحترم الحياة البشرية التي كفلتها كافة الشرائع السماوية، ماتت قلوبهم فتجرؤا على فعل كل شيء، وانتزعت الأحاسيس من أجسادهم فباتوا يتلذذون بقتل الأطفال.
 

هي ليست حالة من اليأس والإحباط التي تُسيطر على الناس التي تسكن بين حقول الموت بقدر ما هو واقع مرير يعيشونه ويتذوقون ألمه صباح مساء، بل إنَهم لا يُميزون ليلهم من نهارهم، ولا يعلمون هل تنتهي هذه الغيمة السوداء لتشرق لهم شمس الحياة

بات العالم ينتظر تسريباً من هنا وآخر من هناك ليرى فظاعة الجرائم المرتكبة في هذه الحقول الموزعة في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وحتى في حال نجح هذا التسريب في الوصول لعيون الأحرار، لن يُثير غضبهم إلا لدقائق معدودة، فما بقي باليد حيلة أمام هذه المنظومة العالمية التي تقف خلف كل هذه الجرائم.

هي ليست حالة من اليأس والإحباط التي تُسيطر على الناس التي تسكن بين حقول الموت بقدر ما هو واقع مرير يعيشونه ويتذوقون ألمه صباح مساء، بل إنَهم لا يُميزون ليلهم من نهارهم، ولا يعلمون هل تنتهي هذه الغيمة السوداء لتشرق لهم شمس الحياة، أم يلحقون بذويهم وأقاربهم الذي غادروا إلى الموت بلا رجعة.

وإنْ سُميت الأسماء بأسمائها نجد سوريا الحقل الأشد بين حقول الموت في العالم، فلا بوادر أمل تُنبأ بوقف شلال الظلم فيها، ولا حتى في أقرانها العربية، فعذراً يا قلم إننا في الزمن الذي بات فيه السيف أقوى منك، والجبروت الذي تتعالى أمواجه على صفحات التاريخ المسطرة بمداد العظماء، وكأنّ التاريخ يُعيد نفسه في كل شيء، حينما كانت تقطع رؤوس من يُعلون صوتهم أمام جرائم القتل.

فيا ليت هذه الحقبة السوداء في تاريخ البشرية تُغادَرنا على عجل، وتتلاشى حقول الموت وتنتهي، لينعم الناس بحياة كريمة يرون فيها الأمل المشرق والمستقبل المنير لأبنائهم، وتنطوي صفحة الظلم إلى صفحة العدل، وتبدأ حقبة البناء والتعمير في الحقول التي نهش عظامها الموت والقتل؛ هي أمنية المقال فيا ليتها تتحقق، وإنّ أمر ربي بعد الكاف والنون، فإذا أرد شيئاً قال له "كُن فيكون".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.