شعار قسم مدونات

تونس.. وغياب التشريعات

blogs - علم تونس
يساهم سبر الآراء أو استطلاعات الرأي في معرفة توجه الرأي العام واهتماماته في مجال محدد كالسياسي أو الاجتماعي أو في دراسة ظاهرة ما، والعالم العربي حديث العهد باستطلاعات الرأي مقارنة بالدول الغربية التي عرفت عمليات سبر الأراء منذ عقود طويلة فعملية سبر الآراء من أساسيات تقدّم الأمم في الاقتصاد وعلم الاجتماع والحياة السياسية باعتبار أنّه يفتح أعين المهتمين بالشأن العام.
مع تنامي التعددية السياسية واعتماد الانتخابات في التداول على السلطة عرفت استطلاعات الرأي اهتماما متزايدا وتطورا ملحوظا في تونس خاصة مع ظهور محطات إذاعية وتلفزية خاصة، كما سرعت مؤسسات سبر الأراء إلى قياس نسب المشاهدة والمسموعية مما فتح المجال لصراعات بين مؤيد ومعارض لمدى مصداقية الأرقام المعلنة وميكانيزمات اشتغال مؤسسات قياس نسب المشاهدة وهو ما جعلها محل انتقادات وتشكيك.

طرق قياس نسب المشاهدة المعمول بها في تونس:
طريقة قياس نسب المشاهدة المعمول بها في تونس لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقدم نتيجة صحيحة، ويوجد طريقتان أو نظامان هما الأبرز والمعمول بهما في تونس والأول ما يعرف بـ "كاتي" يكون عن طريق الاتصال بالهاتف ويتم استجواب العينة حول القناة أو البرنامج الذي تمت مشاهدته في تلك اللية على سبيل المثال، أما الطريقة الثانية تسمى"وجه لوجه" أي تكون مباشرة ويتنقل إثرها فريق العمل الميداني إلى الجهات ويتمّ تعمير الاستمارات المعدّة في الغرض ثمّ تجمّع الاستمارات ويقع لاحقا التثبت من مدى تطابق الإجابات.

ما يروج في تونس اليوم على أساس استطلاعات رأي لا تمت بصلة للموضوعية بشهادة خبراء من الداخل ومن الخارج، حيث إن عمليات سبر الآراء المنشورة في وسائل الإعلام كان أغلبها يصب في توجه واحد يعطي الغلبة والتقدم لأطراف خاصة.

مؤسسات سبر الأراء في تونس من دور الوساطة إلى لعب دور هام في الميدان السياسي والإعلامي:
من ترتيب الأحزاب والشخصيات السياسية في الفترة التي تسبق الانتخابات إلى نسب المشاهدة للقنوات والبرامج التلفزية خلفت مؤسسات سبر الأراء جدلا واسعا بخصوص مدى موضوعية نتائج سبر الأراء ومصداقيتها، مما دفع عديد السياسيين والإعلاميين إلى التشكيك في نتائج استطلاعات الرأي ووصفها بعدم المهنية والاستجابة للمعايير الدولية، وأن مثل هذه الشركات تقوم بتفصيل استطلاعات الرأي على قياس حرفائهم، وهو ما أثبتته الفوضى والتناقضات الصارخة إبان الانتخابات التشريعية بين الأرقام المعلنة بحسب الشركات والأرقام الرسمية.

من ناحية أخرى تغليب قناة واحدة على حساب القنوات الأخرى وجعل مغلب برامجها من الأوائل في نسب المشاهدة، وهو ما يدفع شركات الإشهار إلى التعاقد معها دون سواها، ما يسبب أزمات مالية حيث قررت عديد القنوات الاستغناء على عدد من صحفييها وتقنييها نظرا للخسائر التي لحقتها، ففي تونس أرباح القنوات التلفزية متأتية بالأساس من سوق الإشهار. 

الجميع تقريبا يتفق أن عمليات سبر الآراء في تونس لا يمكن تصديق نتائجها لأنها لا تخضع لمقاييس مهنية وموضوعية ولا تخضع للمراقبة وهو قطاع غير مقنن وغير منظم، ومع ذلك تقدم نتائج الاستبيانات وتنشر وتأخذ حيزا من الاهتمام في وسائل الإعلام وحتى لدى المشككين في مصداقيتها.

وبالتالي يكون لها تأثير جماهيري قوي فمجال سبر الأراء في تونس فيه الكثير من المغالطة والانعكاسات السلبية وتأثيراته أكثر بكثير مما يتصوره البعض. وأن ما يروج في تونس اليوم على أساس استطلاعات رأي لا تمت بصلة للموضوعية بشهادة خبراء من الداخل ومن الخارج، حيث إن عمليات سبر الآراء المنشورة في وسائل الإعلام كان أغلبها يصب في توجه واحد يعطي الغلبة والتقدم لأطراف خاصة، وجوه سياسية كانت أو قناة تلفزية.

غياب الإطار التشريعي المنظم لشركات سبر الأراء:
تقدم عديد النواب أغلبهم من الكتلة الحرة لمشروع تونس والتيار الديمقراطي منذ 15 فيفري 2017 بمشروع قانون المتعلق بتنظيم سبر الآراء واستطلاعات الرأي وإنجازها ونشرها، وهو ما يهدف إلى سد الفراغ التشريعي في المجالات المتعلقة باستطلاعات الرأي والاستبيانات ذات العلاقة وتأمين شفافية القطاع ونزاهته وموضوعيته وحرفيته، مشروع القانون المتعلق بسبر الآراء ليس القانون الوحيد الموجود في مجلس نواب الشعب، بل قدم 10 نواب من المعارضة سواء الجبهة الشعبية أو الكتلة الديمقراطية مقترح القانون في الغرض منذ 3 ماي 2016، وتمت إحالته على أنظار لجنة التشريع العام إلا أنه إلى حد الآن لم يتم التطرق إليه.

رغم أهمية سبر الأراء واعتباره من ركائز الديمقرطيات من حيث فهم الرأي العام، إلا أن تونس بحاجة إلى وقت كبير في هذا المجال حتى تستقرّ المقاييس وتتضح ويتم المصادقة على التشريعات.

ويهدف هذا المقترح إلى إرساء هيئة عمومية مستقلة تتمتع بالشخصيّة المعنويّة والاستقلال المالي تسمّى هيئة سبر الآراء، تكلّف بمراقبة تقيّد عمليات سبر الآراء بالقوانين والقواعد العلمية ومبدأ النزاهة والموضوعية، وذلك في مجالات السياسة وقياس نسب مشاهدة وسائل الإعلام واستهلاك البضائع والخدمات.

لم يتم الإسراع في المصادقة على مشروع القانون وهو ما فتح باب التشكيك في مدى نية السلطة لوضع حد قانوني لشركات سبر الأراء ووقف أدوات التلاعب بالرأي العام والدعاية المضادة، فرغم أهمية سبر الأراء واعتباره من ركائز الديمقرطيات من حيث فهم الرأي العام، إلا أن تونس بحاجة إلى وقت كبير في هذا المجال حتى تستقرّ المقاييس وتتضح ويتم المصادقة على التشريعات التي بدورها ستكون ضامنة لشفافية وموضوعية النتائج. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.