شعار قسم مدونات

قد علم كل أناس مشربهم

blogs الثورة والنصر

هذا التحوط من الاصطفاف، والحذر الشديد من التصنيف، والسير على شعرة الحياد، لن يطول بك أيها الرمادي، ولن تطيل في إمساك عصا الحكمة من المنتصف، وسط محيط متلاطم، يصر على سحبها أو كسرها، وكم من حكمةٍ كانت في الكسر، وكم من مدركٍ متأخر، ألقى العصا، وخُدع بادعاء الانتصاف، فكان الخوف متستراً بالحكمة، والجبن متدثراً بالتفكر. فإن كنت جباناً في اختيار معركتك، فالمعركة أشجع منك في اختيارها إياك، بل إنك لا تملك من أمر خيارك شيئاً بعدما كان بإمكانك أن تملك، وستُدفَعُ دفعاً إلى التخندق، وستجر من رسنك إلى مراعي التسمين، أو صحاري العجاف، ولن تكون إلا مسيراً بعد فقدان مساحة الاختيار، وأنّا للرمادي أن يلون نفسه بنفسه، وهو أقل من اللون استحقاقا وتمكنّا.

 

عندما يلقي الحدث بثقله عليك، ويفرض عليك وجوده الفج، ويصل إلى تفاصيل حياتك المتحفظة على كل شيء، لن تملك إغلاق نوافذك في وجه الزلزال، ولا إقفال بابك في مد الفيضان، بل سيطل برأسه كأفعى، أبت إلا أن تجول في مساحتك، وسينتفض كثورٍ أبى إلا أن يشاركك المرعى، فما أنت فاعل حيال الرياح القادمة؟ هل ستطوي دونها الأشرعة؟ وتلقي دون العاصفة المجدايف؟ وتظن أن البرق سيعتقك، وأن المطر سيتجاوز عنك؟ عين العاصفة أيها الهارب من استحقاق المرحلة، لن يحابي سفينتك الوادعة، ولو تمسكت بالشاطئ دون إبحار، ولو لم تنتشل مرساتك من مياهك الضحلة أبداً، وهذا ما لا يُراد للسفينة، ولا الغاية من الألواح والدسر، ولا المرساة المُثقِلة.

 

إذا ما ضُرِبت بعصا القدر الحجر، فستنبجس منه العيون، وسيختار كل مشربه، فأقبل على مياه الحياة، ولا تكن من جيف العطاشى، وإن لم تملك إلا الحياد فاعلم أنه مشربٌ مقدور، ولسان حال العاجز المدجّن، وقد علم كل أناس مشربهم.

سيصطدم البشر مهما طال بهم الوقوف بجدران الاختبار، وسيدركون لاحقا أنهم كانوا يسيرون نحوها بعلم أو بدون علم، وستنقسم الآراء بفعل فاعل أو بانفعال مفعول به، حول قضية موقوتة، كانت تنتظر سحب خيط الانفجار، أو ضغط زناد الإطلاق. فلا تتجاهل ما يسير نحوك عاجلاً أم آجلاً، ولا تركن إلى وهم الثور الأبيض المأكول، فهذا الاصطدام واقع لا محالة، وهذا الافتراس سيدور بدوائره عليك، وهذا الذي لم تكن يطلبه فإنه يطلبك، فاتخذ من وعيك بوصلة، ومن المبدأ قارب نجاة، واعلم بأن المعارك ستخاض على ما تمتلئ به من مكرٍ ودهاء، فلا تنتظر معركةً على تفصيلك، خاضعةً لذوق حيادك، فصراعك قائمٌ قائم، وإن لم يكن لهذه المعركة المفصلية، فلمعاركك الصغرى، والتي تظن أنها لا تكلف نقاءك المفتعل شيئاً، وهي التي تكلفك النقاء والمعركة المفصلية الكبرى.

 

يظن البعض، والبعض كثيرٌ على ما يبدو، أن أرباب الصراع لن يلتفتوا إليه إن قام بدفن رأس النعامة في الرمال، غير مدركٍ أن وقوعه في صيدهم، هو القدر المحتوم، فإن لم يرموك بسهمهم فاعلم أنك حبيس الحظيرة، وهل يصطاد صياد ما يُدَجِّن؟ فإذا ما ضُرِبت بعصا القدر الحجر، فستنبجس منه العيون، وسيختار كل مشربه، فأقبل على مياه الحياة، ولا تكن من جيف العطاشى، وإن لم تملك إلا الحياد فاعلم أنه مشربٌ مقدور، ولسان حال العاجز المدجّن، وقد علم كل أناس مشربهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.