شعار قسم مدونات

شهادة جميس كومي

U.S. President Donald Trump (L) speaks in Ypilanti Township, Michigan March 15, 2017 and FBI Director James Comey testifies before a Senate Judiciary Committee hearing in Washington, D.C., May 3, 2017 in a combination of file photos. REUTERS/Jonathan Ernst/Kevin Lamarque/File Photos
ترمب (يسار) اعتبر أن شهادة كومي إثبات لروايته بكونه ليس موضع تحقيق في قضية التدخل الروسي بالانتخابات (رويترز)
فور الكشف عن تفاصيل شهادة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، جميس كومي، بشأن مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات، بدأ الحديث في وسائل الإعلام عن ارتكاب الرئيس الأمريكي لما سماه البعض جريمة "عرقلة العدالة". ويبدو أن رغبة هذا البعض -وهم كثر- في توجيه أي تهمة للرئيس الأمريكي فقط لكونه دونالد ترمب، قد أدت في نهاية المطاف إلى تشويه التحليل القانوني، ودفعت الكثير للحديث بسعادة عن غامرة عن احتمال مواجهة ترمب لتهمة "عرقلة العدالة".
ورغم أن جميع الحقائق القانونية تشير إلى أن شهادة "كومي" لا تؤسس لدليل معتبر أو حتى قوي على وجود مثل هذه الجريمة إلا أن الكثير من المحللين والخبراء الذين لا يعلمون شيئاً عن القانون الأمريكي بدأوا وبشكل غريب الحديث عن وجود جريمة لا يعلمون أركان توفرها أو شروطها، حتى يعلموا إذا كانت قائمة من الأساس أم لا.

والأغرب من ذلك أن البعض بدأ يقارن بين حالة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الذي أثبتت التحقيقات أنه وضع أجهزة تسجيل في مقر الحزب الديمقراطي، وقام بتسجيل ما يرنو عن 64 مكالمة، في قضية عرفت لاحقاً باسم "ووترغيت"، وواجه فيها كثير من التهم إلى جانب تهمة عرقلة العدالة.

ترمب لم يستخدم أي وسيلة سوى التعبير عن رغبته بأن ينتهي التحقيق مع مايكل فيلين لأنه رجل جيد، وأن مثل هذه الأمور ربما تؤثر على موقع الرئاسة!

ورغم أنه لا يوجد تشابه قانوني بين الواقعتين سوى أن الرئيس نيكسون واجه تهمة عرقلة العدالة، إلا أن البعض استطاع أن يربط بين قضية تم فيها العثور على جرائم فعلية وخطيرة وبين قضية يتم الاستناد فيها إلى تعليق الرئيس على تحقيق غير واضح المعالم! علماً أن الرئيس قال التعليق نفسه بشكل صريح على مواقع التواصل الاجتماعي في هاشتاغ ظاهر ولم يدّع أحد في ذلك الوقت بأنه يحاول عرقلة العدالة!

كما أن الرئيس كلينتون أيضاً عبر عن عدم رضاه عن التحقيقات التي أجرتها إدارته في عهد المدعي آنذاك جانيت رنيو، ولكن الجميع استطاع تذكر قصة الرئيس نيكسون التي حدثت قبل نصف قرن ولم يستطع تذكر قصة كلينتون التي حدثت قبل سنوات قريبة.

وعلى جميع الأحوال، فإنه لا بد من التوضيح، أن أغلب المحاكم الأمريكية لم تتوسع في تعريف جريمة "عرقلة العدالة" وتحديد شروطها، حيث ترفض أغلب المحاكم الأمريكية تطبيق أحكام هذه الجريمة على مجرد التحقيقات، وتشترط وجود إجراء قانوني معلق، وهو ما يعني وجود محاكمة أو جريمة مثبتة، وهو أمر لا يتوفر في هذه القضية.

كما أن الدليل القانوني الذي يستخدمه المدعون العامون الاتحاديون، يميز هذا التمييز المذكور أعلاه، ويشترط توفر هذا الشروط، علماً أنه حتى لو قام المدعي العام بتوسيع التعريف القانوني وتطبيقه على ترمب، فإنه يحتاج إلى أدلة على استخدام ترمب لوسائل غير قانونية لعرقلة "العدالة"، وفي هذه الحالة فإن ترمب لم يستخدم أي وسيلة سوى التعبير عن رغبته بأن ينتهي التحقيق مع مايكل فيلين لأنه رجل جيد، وأن مثل هذه الأمور ربما تؤثر على موقع الرئاسة!

قواعد الاتهام التي تطبق على الرئيس تطالبه بالإثباتات على عدم ارتكابه للجريمة وتعطيه حماية أقل من التي يتمتع بها المواطن العادي، لكنها في النهاية تشترط وجود جريمة، وهو ما لا يمكن استخراجه من شهادة كومي.

يمكن القول إن مثل هذا التصرف يدخل في نطاق التصرفات غير المناسبة، والتي لا تليق بالرئيس، وأن ترمب يملك أهدافا شخصية من راء مثل هذا التصرف، لكن مجرد حديثه مع كومي بشكل شخصي وطلب مثل هذا الطلب لا يعد عرقلة للعدالة، على الأقل وفقاً للشروط التي يتطلبها القانون.

ورغم أن عملية عزل الرئيس وإقالته يمكن أن تتم حتى دون وجود دلائل فعلية على ارتكابه للجريمة، فقواعد الاتهام والإقالة للرئيس الأمريكي -كما هو معروف- لا تخضع لقواعد الإثبات القانونية أو حتى القانون الجنائي العادية، ذلك أن قواعد الاتهام التي تطبق على الرئيس تطالبه بالكثير من الإثباتات على عدم ارتكابه للجريمة وتعطيه حماية أقل من تلك التي يتمتع بها المواطن العادي في القانون، لكنها في النهاية تشترط وجود جريمة، وهو ما لا يمكن استخراجه من شهادة "كومي"، لكن يمكن استخراجه من وسائل الإعلام وأصحاب الضمير المنعدم الذي يوجهون التهم لخصومهم السياسين فقط لأنهم يختلفون معهم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.