هي القسوة، ولا شيء غيرها؛ تدفعنا للتمرد على ما زرع فينا من نبل وتبدد ذرات الخير التي تسكننا، تجعل هذا يسير أمام السائل برفعة، وهذا يستحوذ على رزق الفقير بقوة، وذاك ينهب ما لا يحق له أخذه. |
التصق بنا وباء القسوة وتعايشنا معه وصرنا نحسب الشفاء منه شقاء، كرسنا صورة بشعة عن الإنسانية في ارتباطها الوثيق بالقسوة والتحجر، عنفت كل المشاعر النبيلة على يدنا، والمواقف أيضا. نغط في سبات عميق، ننأى عن الحدث، وحين نقرر التضامن والتعاطف نتدخل بعنف ونخرب الأرجاء ثم ندعي السلمية! أيننا من السلمية وأيننا من التضامن؟! تجذر العنف في دواخلنا وطغى وغذا ثعلبا بريا ينقض من الأعماق متى كان الموقف إنسانيا!
هي القسوة، ولا شيء غيرها؛ تدفعنا للتمرد على ما زرع فينا من نبل وتبدد ذرات الخير التي تسكننا، تجعل هذا يسير أمام السائل برفعة، وهذا يستحوذ على رزق الفقير بقوة، وذاك ينهب ما لا يحق له أخذه؛ تجعل الروح تتأجج نارا لتحرق أرواحا أخرى تحوم حولها، والكلمة تخرج من غور الفؤاد سهما تردي الآخر أرضا بلا تردد؛ تجعل جاهلا يتوسط عبوات ناسفة ويتفجر وسط حلقة أبرياء، وقاتلا يتربص في ساحة هادئة المارة ليقوم بدهسهم بدون سبب.
القسوة تجعل كرسي المسؤول يكسر عظام من يحاول السير بجانبه، وعصا المعلم تنهر المتعلم بعنف، ورائحة خبز تنخر في جوف المحتاج، تجعل أما تتخلى عن فلذة كبدها لأن الظروف لا تسمح لها بتقديم الدفء له، وابنا يزج بوالديه في مأوى العجزة لأن وقته لا يسنح له برعايتهما.
وحدها القسوة، تلهب الجمال من حولنا وتحوله إلى رماد، وحدها تقتلع الزهور من ثغر الأرض وتلقي بها في أقصى دركات اليأس، اليأس من الإنسانية، وحدها فقط من تدمرنا وتدمر ما في العالم من إنسانية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.