شعار قسم مدونات

تيران وصنافير والمباركة الإسرائيلية المريبة

مدونات - تيران وصنافير
المتتبع للإعلام الإسرائيلي وتصريحات قادة الاحتلال يلاحظ دائماً تسريبات إعلامية للخطط المستقبلية الاستراتيجية للكيان، إما لتوصيل رسالة للأطراف المعنية والمحورية للخطة أو لجس ردود الأفعال الشعبية والرسمية لتحسين خطتهم أو تقييمها. وفي هذا السياق نجد تصريح نتنياهو في عام 2015 في باريس عن خطتهم لربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر عبر سكة حديد تربط ميناء أشدود وحيفا بميناء إيلات بطول 200 كيلومتر تقريباً الذي يجعلها بديلا استراتيجياً لقناة السويس ومصر لنقل البضائع من أوروبا إلى آسيا وبالعكس .

ولو درسنا بشكل مفصل تبعات هذا المشروع على الاقتصاد المصري وأهمية ومكانة مصر وعلاقاتها الاستراتيجية لدى العالم لوجدنا أن مصالح مصر مع كل الدول الأوروبية والآسيوية ستتأثر، وأهميتها الملاحية ستقل بشكل كبير جدا مع الأخذ بعين الاعتبار أن 10 بالمائة تقريبا من الغاز والنفط والتجارة العالمية تمر عبر قناة السويس .ولو وسعنا الرؤية قليلا لبعض الأحداث الإقليمية من قواعد إسرائيلية في إرتريا والسعودية في جيبوتي لوجدنا أن هناك اتفاقات غير معلنة لتأمين النقل البحري عبر مضيق باب المندب الذي بدوره سيكون بلا جدوى إذا لم يتم تأمين مضيق تيران أيضاٌ .

كل هذه الأحداث تشير إلى وجود تقارب بين المصالح السعودية في تأمين نقل النفط والبضائع إلى أوروبا، والمصالح الإسرائيلية في الاعتراف العربي بيهوديتها وضرورة استمالة السعودية بصفتها مركز العالم السني في المنطقة، وتمهيداً لذلك يجب العمل على وجود مظلة أخلاقية على مباحثات مباشرة بين إسرائيل والسعودية ستكون السعودية ملزمة على دخولها طبقا لاتفاقية كامب ديفيد التي وقعت عليها إسرائيل ومصر.

ستدخل إسرائيل مع السعودية في اتفاق مباشر طبقا لشروط كامب ديفيد والتي أعلنت السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير أنها ستلتزم بها، وسيمنحها ذلك شرعية أكبر لوجودها ونقلها من عدو حقيقي إلى جارة مسالمة.

ماذا بعد تيران؟
في حال تم نقل السيادة إلى السعودية، ستستفيد السعودية من تأمين خطوت النقل للنفط والبضائع عبر باب المندب مروراٌ بمضيق تيران وإيجاد بديل احتياطي للنقل عبر إيلات لوجود اتفاقات ستوقع عليها السعودية ملزمة تبعا لاتفاقيات كامب ديفيد إذا نقلت السيادة على تيران إلى السعودية، مما يسهل أي اتفاقيات أخرى بشأن إيلات خصوصا وأن العلاقات السعودية المصرية معرضة للخطورة نتيجة تقلب المواقف في القيادة المصرية وتغيير مواقفهم المعلنة سريعا بناء على المصالح كما حدث في الأزمات السابقة خلال السنوات الماضية ومهاجمة الإعلام المصري للسعودية وقيادتها.

لو عدنا قليلا لأهم الحروب في المنطقة لوجدنا أن غلق مضيق تيران كان سببا لبدأ حرب عام 1967 أو النكسة بين مصر والأردن وسوريا والعراق من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى، ففي 22 مايو 1967 قررت مصر إغلاق مضيق تيران لكل السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي أو أي سفينة تزود إسرائيل بالذخيرة، والغريب في الأمر أن التجارة والذخيرة كانت تصل إسرائيل عبر ميناء حيفا ويافا على ساحل البحر الأبيض المتوسط من أوروبا وأمريكا ولم يكن مضيق تيران بالأهمية الكبرى لإسرائيل في ذلك الوقت، ومع ذلك بدأت إسرائيل الحرب بعد أقل من أسبوعين من إغلاق مصر للمضيق، ولاكن يبدو أن إسرائيل التي عودتنا دائما على الخطط الاستراتيجية طويلة الأمد كانت تعي الأهمية المستقبلية لهذا المضيق وبدأت بعد ذلك تطوير ميناء إيلات على البحر الاحمر.

إذاً لماذا إسرائيل لم تبدي حتى اعتراضاً على نقل السيادة على تيران من مصر إلى السعودية على غير المتوقع رغم أنها إقامة حربا قبل ذلك لغلق المضيق؟؟
إسرائيل دائما كانت دولة مؤسسات لا تنظر للأمور بتوجه عاطفي أو شخصي فهي ترى في ذلك مصلحة استراتيجية لها، أولاً ستدخل مع السعودية في اتفاق مباشر طبقا لشروط كامب ديفيد والتي أعلنت السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير أنها ستلتزم بها، وسيمنحها ذلك شرعية أكبر لوجودها ونقلها من عدو حقيقي إلى جارة مسالمة خصوصا أن السعودية تمثل القلب النابض للعالم السني، وبذلك سيتحول العدو الفعلي للعالم السني بقيادة السعودية من إسرائيل إلى إيران أو الحركات الدينية المتطرفة التي لطالما لم تقلق أمن إسرائيل، وسيجعل كل الدول الأخرى في الخليج تسير على نفس الركب.

إضافة إلى ذلك سيمنح سكة الحديد بين إيلات وميناء حيفا وأشدود القوة ليكون بديلا فعليا لقناة السويس أو على أقل تقدير منافساً قويا لها. وحتى أنه من الممكن أن تقوم إسرائيل بعمل قناة مائية جديدة تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر خصوصا أنها تمتلك التكنولوجيا والمعدات والقدرات المالية للقيام بذلك. وعلى الصعيد الدولي هذا النقل وما بعده يجعل الدول الأوروبية أكثر أمنا على أمنها القومي في الملاحة من أن تكون فريسة الخيار الواحد.

وما زلنا نبحث ما الذي ستجنيه مصر من هذه الاتفاقية غير الدعم الاقتصادي قصير المدى من السعودية؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.