شعار قسم مدونات

ليلة سقوط الأقنعة

blogs الحب

كان وجهه صافياً جميلاً يرتاح له الناظر ويطمأن، وصوته وهو يتلو القرآن الكريم حساساً مرهفاً يقنع المستمع ويدخله في أجواء روحانية، وكان خطابه ودروسه أقرب الى المخدر الذي يجعلك تعتقد أنك تُحسن صنعاً وأنت في الحقيقة لا تفعل ذلك، وهو ذاته لم يفعل ذلك عندما وقف مع السلطان الجائر.

 

كانت جميلة ورزينة ولها هيبة هادئة دون ضجيج، تقديمها للأخبار تميز بالرزانة ولم يكن يشي بأي تحيّز أو انطباع بتأيد جهة دون أخرى، لكنها حينما انقلب العسكر على الشرعية انحازت لهم وعملت في إحدى قنواتهم التلفزيونية… فصفقت في وجوهنا كل تلك الهيبة الكاذبة والرزانة الخداعة.

 

كان ممثلاً كبيراً بنظرنا، نحترمه بشدة على ما قدمه من أفلام ومسلسلات أضحكتنا وأبكتنا، رفعنا معه "كاسك يا وطن" وضحكنا حين ضحك وبكينا على حالنا وحال بلادنا العربية التي مثلها تمثيلاً، لكن عندما صارت المسرحية واقعاً بدل ردوه ليصبح منحازاً للقاتل والديكتاتور.

 

أسماء كثيرة لم نعد نثق بها، فقد تغيرت أقوالهم وأفعالهم لتشهد ضد الحق وليس معه، لم نعد نستطيع أن نستمع الى كلامهم في الأخلاق والقيم وفي أمورنا وقضايانا بالعموم، فلقد سقطت الأقنعة حين الاختبار الحقيقي.

 

من نصدق الآن؟ دعاة كنا نحترم كل ما يقولونه ويفعلونه، وندافع عنهم ونهتدي بهم، فنانون عشقنا أدواراً لهم تقمصوا فيها قضايانا وتحدثوا عنا ولامسوا فيها أحاسيسنا وعاطفتنا العربية، وممثلون عرفنا وأدركنا أن تمثيلهم كان علينا وليس لنا ولم يكن يعطيهم في أرض الواقع قيماً مثلى، وأنهم كانوا يكسبون من وراءه ليس أكثر.

 

مذيعون ومذيعات تابعناهم بشغف حقيقي وهم يسألون الأسئلة التي تراودنا في السياسة والاقتصاد وأحوال الشعوب وصدقنا تقديمهم لبرامج تلامس مصائرنا ولو بالكلام فقط، وأعطيناهم في الحقيقة أكبر من قدرهم، فتبدلت مواقفهم فجأة.

 

كيف يبدون اليوم وقد سقطت الأقنعة عنهم وبدت وجوههم كاذبة وباهته، وأصروا على انحيازهم ضد الحق والحقيقة وأعلنوا ذلك من مواقعهم الآمنة، فصدمنا بهم.

 

في الثورة المصرية تساقطت الأقنعة عن عدد من الشخصيات المعروفة، فكشفتها الشعوب على حقيقتها، ومع ذلك استمروا بممارسة حياتهم وكأنهم لم يفعلوا شيئاً ساندين ظهورهم بشكل علني بحماية العسكر.

 

عمرو خالد كان من أكبر الأمثلة التي أثرت تأثيراً شديداً في الشباب، وحين أعلن انحيازه للعساكر في مصر مؤيدا للانقلاب على شرعية رئيس منتخب هو محمد مرسي، قدم نموذجاً صارخاً للداعية المتلوّن الذي لا تستطيع أن تثق بكلامه بل إنك تتراجع عن إيمانك السابق به وبأفعاله التي أثرت بك.

 

مقدمو برامج وممثلون وفنانون اشترتهم السلطة بأبخس الأثمان فبدأوا ينافحون عنها ويظهرون الولاء المطلق بدون تفكير ممن بدأوا يستثمرون شهرتهم بالترويج لفكر مضاد للشعوب، وبدأت أعمالهم ومسلسلاتهم تكشفهم أولاًبأول.

 

فقدنا قدرتنا على التمييز بين من يقف مع الشعوب ومن يقف ضدها، والشخصيات التي من المفترض أن تبقى كأمثلة صالحة تقود الشباب الى الصلاح وبناء المجتمع القوي الناضج أصبح مشكوكاً بها، فعدنا متخبطين مع أنفسنا نبحث عن مثال وقدوات حقيقية.

ولم تقف صدمتنا عند مصر، لكنها تفاقمت مع سقوط أقنعة فنانين سوريين صدمنا بتأييدهم للقتل والتدمير في بلادهم، فكانت أول صدمة بدريد لحام عندما أظهر تأييده لبشار الأسد مع ثلة من الممثلين الآخرين، وهو صاحب الملحمة المسرحية التي لطالما أبكتنا وأضحكتنا "كاسك يا وطن"، وتتالت الصدمات بأولئك الفنانين واحداً تلو الآخر.

 

اليوم وقد رجع مشهد تساقط الأقنعة من جديد لكنه بدا أصعب علينا، فقد تمثل في علماء ودعاة نجلّهم ونعتبرهم في حقيقة الأمر علماء للأمة، ولم يكن الأمر سهلاً لمكانتهم القوية في قلوبنا… فانتظرنا أن يقدموا أي إشارة نعيد من خلالها النظرة التي تغيرت تجاههم، لكنهم ازدادوا إصراراً على الوقوف مع الحكومات المستبدة.

 

لقد فقدنا قدرتنا على التمييز بين من يقف مع الشعوب ومن يقف ضدها، والشخصيات التي من المفترض أن تبقى كأمثلة صالحة تقود الشباب الى الصلاح وبناء المجتمع القوي الناضج أصبح مشكوكاً بها، فعدنا متخبطين مع أنفسنا نبحث عن مثال وقدوات حقيقية.

 

لا أريد أن أفقد الأمل، فهناك الكثير من الأمثلة الأخرى التي ظهرت بالتزامن مع وجود هؤلاء، صدقهم ومواقفهم ما تزال قيد الامتحان لكن كثيرا منهم منحازون فعلاً مع الحق والمنطق ومع الشعب، ورغم هذا فعلينا نحن من جهتنا أن نبني أنفسنا لنكون أمثلة صالحة داخل مجتمعاتنا عندما تُفقد البوصلة.

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.