شعار قسم مدونات

السقوط في مضيق تيران

blogs - تيران وصنافير

يبدو أن شهر يونيو يأبى إلا أن يضيف للشعب المصري جرح جديد يدمي العقول قبل القلوب، في الذكرى الخمسين لنكسة يونيو 67 يضيف برلمان الانقلاب في مصر لذكرى النكسة العسكرية نكسة أخلاقية وضمائرية وقانونية ودستورية أو بمعنى أدق وكسة من (وَكْس) وتعني الخسارة ومنها اشتق المصطلح الدارج "الموكوس" لوصف الشخص الفاشل الخاسر المرتكب للحماقات بصفة مستمرة، وهو أبسط تعبير يمكن أن يقال عن قرار البرلمان "بإيعاز وأمر من السيسي عبر أذرعه المخابراتية والأمنية" التصديق على اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية في 14 يونيو والتي بموجبها تنازلت مصر عن جزيرتي "تيران" و"صنافير" لصالح المملكة في خطوة أجمع الخبراء العسكريين والمحللين الاستراتيجيين على أنها ضربة في صميم الأمن القومي العربي عامةً والمصري خاصةً والمستفيد الأكبر إن لم يكن الوحيد هو الكيان الصهيوني.

المؤلم والمخزي والمهين في الأمر كله هو المنافسة الشرسة بين معظم مؤسسات الدولة المصرية، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية التي تبارى المنتسبون إليها الحاليين والمتقاعدين ليس من أجل الحفاظ على الأرض بل لإثبات سعودية الجزيرتين في حادثة هي الأولى من نوعها في التاريخ وجرى تخوين وسجن وسحل والتنكيل بكل من يحاول إثبات مصرية الجزيرتين، وهي حقيقة تعلمها علم اليقين جميع الأطراف بما فيها المملكة العربية السعودية والتي تضمنت مناهجها الدراسية طوال عقود درساً في الجغرافيا يتضمن "تيران" و"صنافير" كجزر مصرية، ومئات الوثائق الأجنبية والعربية التي أثبتت بالدليل القاطع تبعية الجزر لمصر ورفضت الحكومة والبرلمان الانقلابين الاعتداد بها تشجيعاً للمنتج المحلي البارع في تزوير وتزييف كل شيء إرضاء لنزوات ومغامرات الزعيم العسكري الذي أنقذ مصر فكيف يمكننا السماح بإثبات الخيانة للوطن والأرض بوثائق وشهادات دولية.

من الناحية القانونية في 16 يناير الماضي أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما باعتبار الاتفاقية "باطلة" إلا أن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة "محكمة غير مختصة" قررت في أبريل الماضي اعتبارها سارية.

من الناحية الجيوسياسية جزيرتي "تيران" و"صنافير" جزيرتين من ذهب إذ أنهما تتحكمان بمدخل خليج العقبة وتمكنان مصر من السيطرة على الملاحة فيه بأقل جهد ممكن، بل إن إغلاق المضيق عبر إنزال قوة عسكرية مصرية على الجزيرة وإغلاق مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية كان السبب الرئيسي المعلن لنشوب حرب يونيو 67 والتي انتهت بكارثة يعلمها الجميع وما زلنا نعاني من آثارها حتى يومنا هذا، وحسب معاهد السلام المصرية الإسرائيلية الجزيرتين تقعان في المنطقة "ج" والملحق الأمني للمعاهدة ينص على تواجد قوة من الشرطة المدنية المصرية بجانب قوة من الأمم المتحدة بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منهما عام 1982م، ومطار صغير في جزيرة "تيران" للدعم اللوجيستي لقوات الأمم المتحدة ناهيك عن القيمة الاقتصادية للجزر كمنطقة سياحية واعدة لما تمتلكه من مقومات تجعلها وجهة سياحية عالمية لو تم استغلالهما بالطريقة الصحيحة.

من الناحية الدستورية انتهك نظام الانقلاب الدستور الذي قام بتفصيله على المقاس والذي تنص المادة "1" فيه على أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة ولا تقبل التجزئة ولا ينزل على شيء منها، والمادة "151" والتي تنص على أنه في جميع الأحوال لا يجوز إبرام أي معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة.

من الناحية القانونية في 16 يناير الماضي أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما باعتبار الاتفاقية "باطلة" إلا أن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة "محكمة غير مختصة" قررت في أبريل الماضي اعتبارها سارية، ثم قضت الدائرة الأولى في محكمة القضاء الإداري يوم الثلاثاء 20 يونيو ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وأكد الحكم صحة حكم المحكمة الإدارية العليا "صاحبة الاختصاص" ببطلان الاتفاقية، ويتبقى حكم المحكمة الدستورية العليا للفصل بين المحكمتين بعد احالة الحكومة عبر هيئة قضايا الدولة ثم أصدرت الدستورية العليا في يوم أمس أمراً وقتياً بوقف حكم المحكمتين، مما يعني استمرار الاتفاقية ومنح الفرصة لقائد الانقلاب العسكري للتوقيع عليها لتصبح نافذة ويتمكن من تسليم الجزيرتين، وهو ما سيحدث خصوصاً بعد تصريح السيسي في وقت سابق خلال حفل إفطار الأسرة المصرية بأن الكلام في موضوع الجزيرتين قد انتهى، ونستخلص من كل هذا النية المبيتة من النظام الانقلابي بالتنازل عن الجزيرتين مهما كانت العوائق الشعبية والدستورية والقانونية وليس هناك من دليل أبلغ من مقولة رئيس مجلس النواب علي عبد العال "أي حكم قضائي يخص تيران وصنافير هو والعدم سواء".

و بغض النظر عن نظرية المؤامرة والتي باتت أركانها وخيوطها واضحة للعيان، فحسب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وتضمنها لوضعية الجزيرتين ستكون هذه الاتفاقية مقدمة لدخول السعودية كطرف فاعل في المعاهدة ودخولها في علاقات مباشرة تدريجياً مع إسرائيل نظراً لانتقال الجزيرتين تحت سيادتها، وبالتالي انتقال الالتزامات الخاصة بهما في المعاهدة للجانب السعودي، ومن الجدير بالذكر قيام وفد سعودي برئاسة مسؤول مخابراتي بارز لإسرائيل العام الماضي فيما يبدو أنها زيارة لوضع تصور مستقبلي للعلاقات السعودية الإسرائيلية وإقامة تكتل مناوئ لإيران العدو اللدود للطرفين.

لا بد أن يقم الشعب المصري بتوحيد صفوفه والتوحد لاقتلاع دولة العسكر الجاثمة على صدور المصريين منذ يوليو 1952م والتي كشفت عن وجهها القبيح بكل وضوح عبر نظام السيسي الذي سيغريه السكوت والصمت الشعبي على الاستمرار في تنفيذ باقي بنود المخطط الذي جاء من أجله.

وتحدثت بعض المصادر أن هذه الاتفاقية هي الصك الذي بموجبه سيضمن محمد بن سلمان الدعم الأمريكي المدفوع إسرائيلياً لطموحه في اعتلاء العرش السعودي خلفا لوالده الملك سلمان بعد نجاحه في تنحية محمد بن نايف من ولاية العهد وكافة مناصبه، وأيضاً كمقدمة للخطوات التالية لحل القضية الفلسطينية عن طريق "الوطن البديل" في سيناء بعد تمكين "محمد دحلان" من اعتلاء هرم السلطة الفلسطينية..

 وما يعزز هذا إعلان حكومة الانقلاب مؤخراً عبر مركز دعم القرار التابع لها، أن سيناء لم تكن تابعة لمصر حتى سنة 1800، حيث كانت سيناء كلها تابعة للجزيرة العربية، ما عدا الجزء الشمالي حتى غزة، مما يفتح الباب على مصراعيه للسيناريوهات التي تحدثت عن توطين الفلسطينيين على أجزاء من أراضي سيناء وتوصيل مياه النيل لإسرائيل، فكل الدراسات تثبت دخول مصر مرحلة العطش وليس الفقر المائي فحسب خلال 3 سنوات تبدأ مع انتهاء سد "النهضة" والبدء في احتجاز مياه النيل أمامه، وهنا تدخل إسرائيل كوسيط وثيق الصلة بالجانب الإثيوبي للقبول بمنح حصة من مياه النيل لمصر مقابل تحقيق الحلم التاريخي للصهاينة بإيصال مياه النيل لإسرائيل مقابل الوساطة.

إن الشعب المصري في لحظة فارقة، فالقضية هنا ليست في نظام الحكم أو قضية حريات وحقوق سياسية، بل الوقوف أمام مخطط بات واضحاً لتفكيك مصر وتفتيتها وتركيعها، لو لم يقم الشعب المصري بتوحيد صفوفه والتوحد لاقتلاع دولة العسكر الجاثمة على صدور المصريين منذ يوليو 1952م والتي كشفت عن وجهها القبيح بكل وضوح عبر نظام السيسي الذي سيغريه السكوت والصمت الشعبي على الاستمرار في تنفيذ باقي بنود المخطط الذي جاء من أجله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.