شعار قسم مدونات

نقاش هادئ مع هيئة كبار العلماء

مدونات - المرأة العالمة

 (1)

اعلم أخي القارئ الكريم أن كاتب هذه السطور سلفي العقيدة والمنهج والفكر، فالانتساب للسلف الصالح من الصحابة والتابعين شرف عظيم، والسير على طريقة أهل الحديث والأثر مجدٌ تليد، ورغم النصائح التي وصلتني من بعض المحبين بتغيير توصيفي على صفحتي في موقع مدونات الجزيرة (قيادي بالجبهة السلفية)، إلا أنني مُصِرُّ عليه، كيلا يصبح وصف السلفية حكرا على المنافحين عن طواغيت العصر والمناصرين لهم.

 

(2)

في الوقت الذي تكثر فيه الفتاوى والنصائح السلفية بالحرص على العبادة في رمضان والبعد عن الخوض في السياسة تصعقنا -في العشر الأواخر منه- تغريدات تويترية لهيئة كبار العلماء (السعودية) تتكلم عن جماعة الإخوان المسلمين، وتصفها بأنها ليس لها اهتمام بالعقيدة ولا بالسنة، وأن منهجها قائم على الخروج على الدولة، وأنها تريد التوصل إلى الحكم!! وبعد ذلك بساعات يصدر قرار إعفاء محمد بن نايف من ولاية العهد ومبايعة محمد بن سلمان، فهل ظهر لهم أن محمد بن نايف ينتمي لجماعة الإخوان فمهدوا للأمر ثم أقالوه!! أم أنه لا علاقة بين الأمرين؟

 

(3)

بالطبع لا يمكننا الفصل بين هذه التغريدات وبين الحصار الخليجي لدولة قطر، فقد صرح الساسة السعوديون والإماراتيون بأنهم لا يقبلون بوجود علاقات بين قطر وجماعة الإخوان المسلمين، وهذا يعني أن هذه التغريدات صدرت في سياق تأييد كبار العلماء للحصار المفروض، لتنضم الهيئة إلى مؤسسة الأزهر ورابطة العالم الإسلامي في دعم وشرعنة هذا الحصار، لكن يبدو أن الهيئة سلكت طريقا مختلفا للدعم والتأييد لحاجة في أنفسهم، وإذا كانت الهيئة لم تنسَ التصريح بعدم جواز تعدد الجماعات والأحزاب في الإسلام، فإنها نسيت بيان حكم تحزب أربع دول من بلاد المسلمين واتفاقهم على مقاطعة شعب دولة مسلمة، لأن هذه الدولة -حكومة وشعبا- يدعمون حماس في مقاومة المحتل الصهيوني لمقدسات المسلمين، ويأوون بعض المطاردين من جماعة الإخوان المسلمين.

 

(4)

من جهة التنظير، أود أن أُذَكّر هيئة كبار العلماء ومقلديهم بأن أشهر كتب العقيدة التفصيلية وأكثرها مبيعا وانتشارا بأيدي طلبة العلم في العصر الحديث هو كتاب العقيدة في الله بأجزائه الثمانية، الذي ألّفه الدكتور (الإخواني) عمر سليمان الأشقر رحمه الله، وأن أشهر كتب الفقه المعاصرة هو كتاب فقه السنة بأجزائه الثلاثة للعالم (الإخواني) الشيخ سيد سابق رحمه الله، والذي قدّم له وأثنى عليه الأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وأن الذي قام بخدمة مسند الإمام احمد (أكبر دواوين السنة) وإعادة ترتيبه هو الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا المشهور ب(الساعاتي) والد الأستاذ حسن البنا، في كتاب أسماه الفتح الرباني في ترتيب مسند أحمد بن حنبل الشيباني، وأن هذه الكتب الثلاثة في العقيدة والفقه والحديث قد نالت مكانة عظيمة عند العلماء وطلبة العلم، حتى إن كثيرا من مشايخ السلفية قد أثنوا عليها ومدحوها ونصحوا عموم المسلمين باقتنائها والاستفادة منها.

 

(5)

من جهة التطبيق، وجدت أن عامة الانتقادات التي وجهها السلفيون لجماعة الإخوان فيما يتعلق بالعقيدة والسنة لا تساوي مثقال ذرة في مقابل الطوام والمصائب التي وقع فيها حكام بلادنا عموما وحكومات الخليج خصوصا، فإذا أردتم النصح لعموم المسلمين وتحذيرهم من البدع ومحدثات الأمور، فحذروهم من مصائب التطبيع مع العدو الصهيوني الغاصب لمقدسات المسلمين، واشرحوا لهم علاقة ذلك بعقيدة الولاء والبراء، وأسمعوهم قوله تعالى: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ}، واربطوا لهم هذه الآية وأشباهها بزيارة السيد ترمب الأخيرة لبلاد الحرمين الشريفين، واذكروا لهم أيضا عواقب الحكم في الدماء والأموال والأعراض بغير ما أنزل الله، حدثونا يا كبار العلماء عن الفساد والإجرام المتفشي في مؤسسات (الدولة) عندنا، وكيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الفقر والجهل والتخلف رغم كثرة الموارد ووفرتها في بلادنا، ولا ضير أن تذكروا هذا بجوار ما تريدون قوله في حق جماعة الإخوان، لكني أخشى أن تكون نتيجة المقارنة أن الإخوان قد وقعوا في بدع وذنوب وآثام، وأن الحكام قد وقعوا في كفر بواح عندنا فيه من الله برهان!!

 

(6)

إذا قام الإمام بحقوق الأمة، وجب له عليهم حقان: الطاعة والنصرة، ما لم يوجد من جهته ما يخرج به عن الإمامة‘ بل حتى وإن تولى بشكل صحيح فإنه قد يخرج عن الإمامة إذا أخل بما تم توليته من أجله.

سلّمنا جدلا بأن الإخوان يريدون التوصل إلى الحكم، باعتبار أن خصومهم ومناوئيهم يريدون التوصل لتحرير المسجد الأقصى وتطهيره من دنس اليهود، ويسعون لحماية السوريين من براميل بشار، ووقف تغول الحشد الشعبي في العراق، ويجاهدون من أجل حماية السّنّة من خطورة المد الشيعي الإيراني في المنطقة، فضلا عن نشر الإسلام ومحاربة الكفار والقضاء على البدع والخرافات، إذا سلمنا بهذا كله.. فما هي الجريمة في السعي للوصول للحكم؟ وددت لو تفصلوا الأمر في تغريداتكم بدلا من تركها هكذا، فقد يفهم المسلم العامي البسيط أن السعي للوصول إلى الحكم حرام على المسلمين، ومن ثم يظن أن ولي الأمر أطال الله عمره قد وقع في إثم لأنه سعى للحكم وحرص على توريثه لولده من بعده!! أو يظن أن جريمة الإخوان هي محاولتهم الوصول للحكم عن طريق الانتخابات وما يسمى بالإرادة الشعبية، أما الانقلاب العسكري على طريقة السيسي وحفتر فحلالٌ حلالٌ حلال. قل صدق الله: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}

 

(7)

أما وإذ لم نسلم بأن هؤلاء حكام شرعيون، وأنهم لا يستحقون وصف أولياء الأمور، فالواجب علينا وعلى جماعة الإخوان -بل- وعلى كل مسلم أن يسعى لإسقاطهم وإحلال من يقوم بالحق والعدل بديلا عنهم، فما حكام اليوم إلا أدوات في أيدي المحتلين الغاصبين، كل همهم إرضاء أسيادهم الذين نصّبوهم ولو على حساب دماء شعوبهم ومقدرات بلادهم، فالحاكم الشرعي الذي نصّ أهل العلم على أنه المستحق لحقوق الإمام هو الذي ينوب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا بالدين، كما نص على ذلك الماوردي وغيره، وهو الذي يقودنا بكتاب الله كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، وقد اشترط العلماء وفاءه بواجباته قبل المطالبة بحقوقه، كما قال أبو يعلى: وإذا قام الإمام بحقوق الأمة، وجب له عليهم حقان: الطاعة والنصرة، ما لم يوجد من جهته ما يخرج به عن الإمامة. اهـ، وهنا نجد أن أبا يعلى قد اشترط قيامه بحقوق الأمة، ثم أشار إلى أنه حتى وإن تولى بشكل صحيح فإنه قد يخرج عن الإمامة إذا أخل بما تم توليته من أجله.

 

وقال القرطبي في تفسيره: الإمام إذا نُصّب ثم فَسَقَ بعد انبرام العقد فقال الجمهور: إنه تنفسخ إمامته ويُخلع بالفسق الظاهر المعلوم، لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في أمورهم إلى غير ذلك مما تقدم ذكره، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها. فلو جوزنا أن يكون فاسقا أدى إلى إبطال ما أقيم لأجله، ألا ترى في الابتداء إنما لم يجز أن يعقد للفاسق لأجل أنه يؤدي إلى إبطال ما أقيم له، وكذلك هذا مثله. اهـ

وقد صدق من قال: وراعي الشاة يحمي الذئب عنها.. فكيف إذا الرعاة لها الذئاب!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.