شعار قسم مدونات

المستقبل.. ذلك الغول

blogs رجل يقف بظهره
ليتنا نستطيع إيقاف الحاضر الذي نعيشه رغم قساوته وصلبه على جدار الزمن ليكون سداً بوجه الغول القادم والوحش المفترس وأقصد "المستقبل" الذي كنا نعلق عليه آمالاً كبيرة، فقد حمّل الأوغاد الجدد المستقبل بكل "الألغام" التي ستنفجر بوجوهنا وتحطم أحلامنا وآمالنا إن لم تنهِ حياتنا ووجودنا على ظهر الكرة الأرضية! هذه الألغام هي الشرور التي سيصفعنا بها شذّاذ الآفاق من أثرياء وذوي سلطة من أصحاب البشرة الفاتحة التي لا تشبه بشرتنا! أوغاد لا يحملون في صدورهم إلا العجرفة والحقد على منهم دونهم مادياً وعرقياً حسب تصورهم.

إنهم عتاة البشر وهم أقسى من الوحوش الضارية التي تعفُّ إن شبعت، ولكن هؤلاء يجوعون كلما شبعوا! فقد قرر الأوغاد أن الكوكب قد ضاق بما رحب، و"البقاء للأصلح" هو المبدأ الذي سيحكم المعادلة! وهم مدججون بفائض كبير من القوة العلمية والمالية والإلكترونية والبيولوجية المدعومة بأفتك الأسلحة العسكرية، ولنقرأ عن بعض هذه الأسلحة وكيفية استخدامها ضد أحلام الأغلبية البسيطة!
 

الدارونية الاجتماعية:
أول أذرع الغول القادم هو الدارونية الاجتماعية Social Darwinism وهي النظرية "العلمية" التي بناها هيربرت سبنسر على مبدأ نظرية دارون في التطور، والتي قضت – أي نظرية دارون – بان أنواع النبات والحيوان الأقدر على تحمل التغيرات البيئية هي التي تستمر في الحياة، بينما الأنواع التي لا تتماشى مع التطورات الجديدة فتندثر وتنقرض، ومثال الأخيرة هو الديناصورات وأنواع نباتية أخرى.

اليمين البديل Alt Right. وهو اختصار لـ Alternative Right وهو اليمين الذي يتبنى العنصرية الصريحة والضمنية وتفوق العرق الأبيض. وهذا اليمين ناقم على اليمين المتطرف السائد حالياً لأنه يعتبره ضعيفاً وعاجزاً لأنه لا يدعم بشكل فعال العنصرية والعداء للسامية.

وسمى هيربرت سبنسر هذا المبدأ Survival of the Fittest أو "البقاء للأصلح"! ولأنهم لا يملكون حساً إنسانياً على الإطلاق فقد قرروا تطبيق مبدأ البقاء للأصلح على المجتمع الإنساني وأطلقوا عليه اسم "الدارونية الاجتماعية"! أي أن حياة الناس في المجتمع ليست إلا صراعاً من أجل الوجود يحكمه قانون "البقاء للأصلح"، كما في أنواع الحيوان والنبات. ولذلك يصر مؤيدو الدارونية الاجتماعية على تفعيل نظرية رأسمالية السوق الحر laissez-faire capitalism أي إبعاد الدولة عن الشؤون الاقتصادية وترك المجال للتنافس الشرس بين أصحاب الأموال.

انظروا محلات السوبرماركت العملاقة في كل المدن، يملكها شخص واحد أو اثنان ووزعوا الفروع في كثير من الأحياء داخل المدينة الواحدة. والهدف طرد الضعفاء مادياً من السوق! وهم الذي يتحكمون بالأسعار وبإنتاج المواد الغذائية وأسعارها، وهم أصحاب كارتل الأدوية وهم من يحدد سعر الدواء. ولديهم قانون الملكية الفكرية الذي يعني أنهم يحتكرون ما اخترعوا وأنتجوا، ويقررون الأسعار والكمية المسموحة لغيرهم. الهدف إزاحة الطبقة الوسطى ليبقى طبقتان: السادة والعبيد، ومن الطبقة الثانية هناك الملايين ممن سيموت مرضاً وفقراً!

الفرد ذو السيادة:
وسلاح آخر سيحمله المستقبل هو الفرد ذو السيادة The Sovereign Individual وهو الملياردير أو المليونير الذي سيكون ذو سيادة واستقلال كما الدولة ذات السيادة، تخيلوا! وهو شخص جشع وفاقد للحس الإنساني والوطني، ويعمل على تقويض دولة الرفاه Welfare State، أي الدولة التي تقدم خدمات كبيرة لمواطنيها كمعاشات التقاعد، وتدعم أسعار المواد الأساسية كالدواء والغذاء والتعليم المجاني في كثير من الدول، وتساعد المواطنين للحصول على سكن إلخ. وهو نظام الدولة المعمول به في معظم دول العالم بما فيها العالم المتقدم.

وكما هو معروف فإن الدولة توفر مصاريف هذه الخدمات بشكل كبير -وخصوصاً الدول التي لا تملك موارد كبيرة- من جني الضرائب المفروضة على أصحاب الأموال والشركات الكبرى المنتجة التي يملكها أفراد أو جماعات. إلا أن هذا الفرد أو تلك الجماعات -للأسف – كلما شبعوا، جاعوا! فهم لا يرغبون بدفع الضرائب لدولتهم التي توفر لهم البنية التحتية والأمن، حيث يرون أن هذه الضرائب مبالغ فيها، ولذلك قرروا الهجرة إلى عالم الانترنت وإدارة أعمالهم منها ولو من بلدان أخرى أو حتى من جزر صناعية في عرض البحر. وسيستخدمون التشفير الغير قابل للاختراق والنقود الرقمية Digi Cash أو Cyber currencies للتمويه وخداع مصلحة الضرائب.

وسيتفقون مع من يوفر لهم الحماية بعقد contractوبالسعر الذي يُتفق عليه وليس كالثمن الذي تأخذه الدولة! وبهذه العملية تكون دولة الرفاه قد خسرت الكثير من الأموال التي كانت تجنيها من الضرائب وتنفقها على مواطنيها، مما يدفعها للانقراض وظهور "الفرد ذو السيادة" بدل دولة الرفاه، فمن بعدها يدعم احتياجاتنا الأساسية؟ إضافة إلى أن أصحاب المليارات هؤلاء لن يوفروا إلا عقود عمل وليس وظائف دائمة كما توفرها الدولة، فقد يتوظف الإنسان لحين انتهاء العمل الموكل به فقط، أي لمدة معينة قد لا تزيد عن بضع سنين!

المصيبة أنهم كلما شبعوا جاعوا! الفرد يملك عشرات المليارات؟ لماذا يريد أن ينميها أكثر؟ لمن؟ ربما يشعرون بعبثية الحياة، ذلك أنهم نبذوا الدين خلف ظهورهم. وللتعويض عن شعورهم بعبثية حياتهم، كما يقول فيلسوف العبث ألبير كامو، فإنهم يلجؤون للتملك.

اليمين البديل:
وهناك سلاح جديد لا يقل خطورة عن سابقيه وقد قطع مرحلة مهمة في التكوين: اليمين البديل Alt Right. وهو اختصار لـ Alternative Right وهو اليمين الذي يتبنى العنصرية الصريحة والضمنية وتفوق العرق الأبيض. وهذا اليمين ناقم على اليمين المتطرف السائد حالياً لأنه يعتبره ضعيفاً وعاجزاً لأنه لا يدعم بشكل فعال العنصرية والعداء للسامية، وربما هذا الأخير شيء جديد وخاصة بالنسبة لنا كعرب! والدليل على تطرف اليمين البديل هو أنهم يعتبرون كل مسيحي أبيض محافظ حالي "ديوث" لأنه يقدم مصالح اليهود وغير البيض على مصالح البيض!

ويعرف اليمين البديل نفسه بأنهم يرفضون المساواة والديموقراطية والعولمة وتعدد الثقافات. وهم يؤكدون على إنجازات البيض وتفوقهم العقلي والثقافي المزعوم! وهم يديرون الآن عدداً من مراكز البحث، والمنشورات المباشرة على الهواء ودور النشر. ويعملون على جذب الشباب لاعتناق هذا الفكر المتطرف، وفي الأشهر القليلة الماضية، قام عدد من المنتمين لليمين البديل بتشجيع محاولة دونالد ترمب الرئاسية، ذلك أنهم رأوا في هذا المرشح الشعبوي أغلظ من "الديوثين" -ويقصدون اليمينيين الحاليين- لموقفه من هجرة المسلمين إلى أمريكا. وبالرغم من صراحتهم في إيضاح هويتهم إلا أنهم يميلون إلى استخدام كلمة "ثقافة" بدلاً من كلمة "عرق". ويقدمون مصطلح "الحضارة الغربية" ككلمة السر لثقافة وهوية العرق الأبيض! وأخيراً فهم معنيون بالحفاظ على الهوية الأوربية الأمريكية فحسب!

ربما لم يعد هناك من آمال يُخاف عليها لأبناء جيلي، ولكن أحلام شبابنا وأطفالنا ستتبدد على أيدي وحوش العصر. ربما الذنب الأكبر لمعظم البشر أنهم فقراء أوانهم ذوو بشرة ليست بيضاء. فلولا السبب الأول، كان يمكن تجاوز الثاني! ولكن إذا وُجد الأول (الفقر)، يظهر الثاني تلقائياً. ونخافهم ليس لأنهم يملكون فائضاً من القوة بكل أنواعها التكنولوجية والإلكترونية والعسكرية، بل لأنهم أيضاً بلا أخلاق أو حس انساني! فتدميرهم للدولة الوطنية أو دولة الرفاه هو شبه إبادة لعشرات أو ربما مئات الملايين من البشر. والمصيبة أنهم، فعلاً، كلما شبعوا، جاعوا! الفرد يملك عشرات المليارات، لماذا؟ ولماذا يريد أن ينميها أكثر؟ لمن؟ ربما يشعرون بعبثية الحياة، ذلك أنهم نبذوا الدين خلف ظهورهم. وللتعويض عن شعورهم بعبثية حياتهم، كما يقول فيلسوف العبث ألبير كامو، فإنهم يلجؤون للتملك لعله يعطي لحياتهم معنى! أرجو الله ألا يأتي ذلك اليوم الذي يتحكم به أولئك البرابرة بحياة أبنائنا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.