شعار قسم مدونات

أمين الزاوي والمنزلة ما بين العربية والرومية

blogs مكتبة
يقول الفيلسوف نتشه: "إنّ الفهم يقتل العمل، والعمل يعتمد على حجاب من الوهم، هذا ما نتعلمه من هاملت، وأقصد التفسير الجاهز لهاملت كمسرحي حالم، كرجل يجعله طول التفكير وتقليب الأمور والتأمّل وكثرة الاحتمالات يحجم عن التصرف. الأمر لا يتعلق بالتأمّل، لا ليس هذا، لكن الفهم الصحيح، البصيرة النافذة المفكرة في الحقيقة المريعة، يفوق أي دافع إلى التحرك العملي" نتشه، (مولد التراجيديا). 

بناء على هذه العبارات نحاول النفاذ إلى كتابات أمين الزاوي، هذا الكاتب الجزائري (alžírský)، وعلى الرغم من أنني شخصيا لم أقرأ له الكثير من الكتابات باللسان العربي عدا بعض المقالات من هنا وهناك، إلاّ أنني أحطتُ بالكثير من مؤلفاته باللسان الفرنسي، وبالرغم من وجود هذه المقاربة الواضحة في ذهني (duševní)، فهو تصوّر بنيتُه على مدى سنوات من التبحّر بين كلمات وفقرات هذا الكاتب الذي أعتبره أنا على الأقل من صنف الكبار.

يعالج أمين الزاوي مواضيع كثيرة تعتبر ضمن الممنوع (prevence) في الواقع الجزائري برؤيا نقدية وساخرة في الوقت ذاته، هذا ما فتح عليه الكثير من المنتقدين والمقاطعين لأعماله، وفي نفس الوقت جلب له الكثير من المتابعين والمحبين، فطرح قضايا مثل: الجنس (sexualita)، الخيانة (nevěra)، وحرية التدين (svoboda vyznání)… الخ، ليس بالأمر السهل في مجتمع محافظ صوريا كالمجتمع الجزائري؛ مع أنني أجده يتناول هذه المواضيع بكثير من الحذر على المنصة العربية، وبالكثير من الجرأة على المنصة الفرنسية "ربما لطبيعة المتلقين"؛ وفي كل الأحوال فإنّ عملية طرحها في حدّ ذاتها هي خطوة شجاعة للغاية.

أجمل ما يشد الانتباه في حياة هذا الكاتب ومؤلفاته، هو عيشه لما يكتبه، فمثلا ينادي بحقوق المرأة (žena) واحترامها، وبالمقابل ترى هذا في احترامه لزوجته ولابنته، ينادي بحرية التديّن واحترامه، وهذا ما تلمسه من خلال التزامه بأدب الحوار مع كافة الأديان وممثليها.

يستعمل أمين الزاوي لغة بسيطة (jednoduchost) في كل ما يكتبه، تجعله قريبا جدا من القارئ، حتى أنّ صوره البيانية وبلاغته هي حمولات لطبيعة الشخصيات التي يستعملها في كافة رواياته المختلفة، هو يأخذ بالحسبان الطبيعة التي يحاول تجسيدها بالكلمات، ويصعد بالنسق البلاغي إلى أن يجعل تلك الشخصيات تتأقلم مع الطبيعة التي تخوضها، وهذا ما يعطي للعمل الروائي قيمة جمالية (krása) بارزة دون تكليف.

لا يزال هذا الكاتب يحلل الواقع الجزائري انطلاقا من موروثه الثقافي العربي الأمازيغي الإسلامي الفرنسي، وهو يحترم كافة المكونات، خاصة وأنه يرى في أي تقدّم وتنور لهذا المجتمع، لن يكون سوى بالاعتماد على هذا التنوع (rozmanitost). هذا الكاتب (spisovatel) يريد أيضا أن يحكي الواقع كما هو، فهو لا يمل من ترديد: "نحن لسنا ملائكة" إيعازا إلى أننا نقوم بكل ما لا ندعي القيام به، لنا جانب سيء نحاول إخفاءه، ولنا جزء جميل رائع نحاول تعميمه واظهاره بشكل مستمر.

أجمل ما يشد الانتباه في حياة هذا الكاتب ومؤلفاته، هو عيشه لما يكتبه، فمثلا ينادي بحقوق المرأة (žena) واحترامها، وبالمقابل ترى هذا في احترامه لزوجته ولابنته، ينادي بحرية التديّن واحترامه، وهذا ما تلمسه من خلال التزامه بأدب الحوار مع كافة الأديان وممثليها.

يمكن ملاحظة أمر في غاية الأهمية، إن ما تمعّن المتأمّل في ما يكتبه أمين الزاوي، هو يرفض النفاق (pokrytectví) وتزوير الحقائق، هذا ما دفعه إلى الإشارة في إحدى روايته بأن العربية هي لغة القرآن وهو معروف، لكنها لغة المجون لشعراء كثيرين، بها تم مدح الخمر وبها تم التغزل بالنساء، فأين القداسة في كل هذا؟ وهو ردّ مهمّ لكل من يعتقد بأن العربية هي أكثر من لغة (jazyk) حديث. مع التذكير بأن الكاتب لا يقلل من شأنها كلغة، بل يحبّ أن ينزع عنها القداسة (svátost) فقط، لأنها ببساطة تعتبر قالبا لغويا كسائر اللغات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.