شعار قسم مدونات

تأثير الإيمان والإلحاد على الدماغ

blogs - ناس في الشارع
هل للإيمان أي تأثير على أدمغتنا أم أن لأدمغتنا تأثير على إيماننا؟ بالنسبة للعديد من الناس فإن الإيمان بالله يمنح العقل سكينة ويعطي الإنسان معنى لحياته.. لكن للبعض الآخر فإن الأديان لا تعطهم الأجوبة المقنعة لتساؤلاتهم. هل أدمغة هؤلاء الصنفين مختلفة؟
يبلغ عدد المؤمنين في العالم ٨٥٪ يتوزعون على مختلف الديانات، أما الـ ١٥٪ المتبقية فهي تمثل الملحدين واللادينيين واللاأدريين. تشير إحدى الدراسات على المجتمع الأمريكي إلى أن ٩٤٪ من الأمريكيين يؤمنون بالله و٨٢٪ يؤمنون أن الدين يشكل عنصر مهم في حياتهم اليومية و٧٦٪ يؤمنون أن الإنجيل هو كتاب موحى من الله.

في ورقة بحث مقدمة من الدكتور جاكوب هيرش وأكاديمين آخرين في جامعة تورنتو. تم دراسة أثر الإيمان على النشاط العصبي في القشرة الحزامية الأمامية لدماغ الإنسان، وهي المسؤولة عن الوظائف العقلانية المعرفية مثل اتخاذ القرار والتحكم في المشاعر والاندفاع، كما أنها مسؤولة عن الشعور بالقلق والتوتر. تنشط هذه المنطقة عند شعور الفرد بعدم اليقين من شيء ما تعرض له أو من شعوره من عدم مصداقية حدث أو موقف ما فتتولد حالة القلق هذه لديه لتنبه الدماغ بوجوب إعادة التفكير بحرص.

ينطلق هيرش في أبحاثه مفترضا أن القناعات الدينية تعالج القلق عن طريق كبح جماح الشكوك. بمعنى آخر أن القناعات الدينية تقيد نشاط القشرة الحزامية الأمامية، أي أن الدين يعمل كدواء مخفف للقلق ويزيل أي شعور بالضلال والشك، وبالتالي يفترض هيرش مرة أخرى أن ذلك يعود إلى أن الدين يمنح المرء هدفا لحياته ودليلا لكيفية النجاة، كما أنه يوحد المتدنيين تحت نمط تفكير وفهم موحد للحياة وذلك عن طريق النصوص التي توضح سبب الوجود وسبب الشرور ويوم البعث وتفسيرات أخرى كثيرة يؤمن بها المتدينون تخص كل نواحي حياتهم، وكذلك يوحد الدين نمط الحياة في المجتمعات المؤمنة به بتحديده لكل ما هو حميد وخبيث من العادات والسلوكيات.

أشار الدكتور هيرش الى سؤال جدا مهم: هل التدين من يثبط النشاط في القشرة الحزامية الأمامية ويقلل بالتالي التوتر والشك؟ أم أن العكس هو الصحيح.. أي هل مقدار النشاط العصبي في الدماغ هو من يحدد مقدار القناعة الدينية؟

على سبيل المثال عندما يتعرض أحد ما لحادث أو كارثة ما فإن قناعته بإنها "مشيئة الله" كفيلة بتخفيض نسبة القلق والخوف لديه، وغيرها العديد من المواقف التي يتكفل الدين بإيجاد تفسيرات مطمئنة لها. لهذا السبب يلجأ الناس عادة إلى الدين في حالات الخوف والرعب والحاجة.

قام الدكتور هيرش وزملاؤه بإجراء تجربتين، الأولى كانت لقياس الحماس الديني وقد أجريت على ٢٨ طالب ( ١٨ انثى و١٠ ذكور ) تتوزع معتقداتهم على الشكل التالي : ٣٩٪ مسيحية، ٢١٪ الاسلام، ١٤٪ هندوسية، ١١٪ بوذية، ١٥٪ ديانات أخرى من ضمنها الإلحاد.

تم إجراء أكثر من إختبار على هذه الفئة من ضمنها طرح عدة اسئلة مثل ( هل تأمل أن تعيش وفقا لجميع تعاليم دينك ؟) و( هل ديانتك مبنية على أسس علمية صحيحة؟) و(هل أنت مستعد لخوض حرب للدفاع عن مقدساتك الدينية ؟) وغيرها الكثير من الأسئلة والأساليب القياسية.. تبين من هذا الاختبار أن النشاط العصبي كان يزداد في القشرة الحزامية الأمامية لدى الذين أجابوا بتمهل وبعد تفكير أما اولئك الذين أجابوا بشكل فوري يدعم معتقداتهم الدينية فإنهم لم يصابوا بشيء من القلق والشك وبالتالي لم تتعرض أدمغتهم لمثل ذلك النشاط العصبي.

التجربة الثانية كانت لقياس تأثير الإيمان بالله على النشاط العصبي وقد أجريت على ٢٢ طالب ( ١٣ أنثى و٩ ذكور ) تتوزع أعراقهم على الشكل التالي : ٣٣٪ الشرق الآسيوي، ٣٣٪ الجنوب الآسيوي، ٢٨٪ قوقازي، ٦٪ أعراق أخرى. طلب من الطلاب الإجابة على سؤال ( هل الله موجود ؟) على مقياس من ١ (يمثل أن الله موجود بشكل أكيد) إلى ٥ (يمثل أن الله غير موجود بشكل أكيد) بالإضافة إلى اسئلة أخرى وأدوات قياس أخرى شبيهة

إن كانت نتائج هذه الدراسة صحيحة وتبين أن مقدار الإيمان مرتبط بالنشاط العصبي للدماغ (وليس العكس) فهذا يجب أن يفتح مداركنا على طريقة جديدة في تعاملنا مع معتقدات بعضنا البعض.

تبين أيضا في هذا الاختبار أن مقدار الإيمان بوجود إله ما للكون يتناسب عكسيا مع حجم النشاط العصبي في الدماغ. في ختام هذه الدراسة أشار الدكتور هيرش الى سؤال جدا مهم: هل التدين من يثبط النشاط في القشرة الحزامية الأمامية ويقلل بالتالي التوتر والشك؟ أم أن العكس هو الصحيح.. أي هل مقدار النشاط العصبي في الدماغ هو من يحدد مقدار القناعة الدينية؟ أرجأ بذلك الإجابة على هذا السؤال لدراسة لاحقة.

إلى هنا انتهت هذه الدراسة وتبيننا نتائجها، وحضرتني أفكار الدكتور علي الوردي في أن نجاح الأفراد وتميزهم ليس وليد ذكائهم وسهر لياليهم فقط بل هي نتاج عشرات العوامل الخارجة عن إرادة الفرد كالوراثة والظروف المادية وطريقة التربية والدين والمجتمع والعادات وغيرها العديد. وكذلك حضرتني أيضا الفكرة التي تجادل بها علماء المسلمون قبل مئات السنين حول حرية الفرد أمسير هو أم مخير.

إن كانت نتائج هذه الدراسة صحيحة وتبين أن مقدار الإيمان مرتبط بالنشاط العصبي للدماغ (وليس العكس) فهذا يجب أن يفتح مداركنا على طريقة جديدة في تعاملنا مع معتقدات بعضنا البعض، ويجب أن تكون خطوة سريعة للأمام في سبيل زرع مفهوم التعايش والتصالح مع الآخرين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.