شعار قسم مدونات

هل تصلح الأمة بلا سياسة؟

مدونات - البرلمان

"نريد إصلاح الأمة لكن دعونا من السياسة" مقولة تشبه كثيرا مقولة "نريد دخول الجنة لكن دعونا من الصلاة" كلام كثر تداوله في أواسط المجتمع الجزائري من نخبة وعامة ووجد لنفسه الطريق للظهور والطغيان على أي فكرة سياسية صاحبها بمرجعية إسلامية، وإن كانت الانقلابات على ثورات الربيع العربي ونتائجها تؤكد على أن هذا الكلام لم يعد مقتصرا على الجزائر فقط وإنما على جميع الدول التي قامت بها هذه الثورات بعد شعور شعوبها بالإحباط واليأس من التغيير.

إن نجاح التجربة التركية المتمثلة في اقتحام حزب العدالة والتنمية للساحة السياسة ووصوله لسدة الحكم بطريقة لم تتعود عليها أحزاب الحركة الإسلامية لا في الجزائر ولا في أي دولة من دول العالم الإسلامي، بعثت الكثير من الأمل في نفوس شباب الأمة متأثرين بنضال هذا الحزب ومجابهته للأحزاب العلمانية المتطرفة المدعومة بقوة الجيش وتسييره للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المترهلة بطريقة ذكية وجعل تركية من مديونة إلى دائنة وصمود قادته ضد جميع أبواق التجريح والتخوين سواء من المخالفين لهم أو من المتشاركين معهم في نفس الفكر السياسي والكثير الكثير من الإنجازات التي ساعدت على تثبيت حكمه لتركيا.

ألا يعد رفض العمل السياسي منع للشباب من المنصات التي يعبرون من خلالها عن أفكارهم وآرائهم بكل حرية، وكذلك تغييب للمرجعية السياسية -التي تضاف إلى غياب المرجعية الدينية في الجزائر- المتوافقة مع تربيتهم الإسلامية.

هذا النجاح ارتفعت به أصوات في الجزائر -كغيرها من الأصوات في العالم الإسلامي- تحتفي وتهلل للتمكين في ثغر من ثغور الأمة، ولكن العجب العجاب أن بعضا من أصحاب هذه الأصوات من يرفض العمل السياسي ويمنعه عن شباب الحركة الإسلامية في الجزائر تحت عدة مبررات وأسباب منها: القول بأن ظروف تركيا هي غيرها ظروف الجزائر ولا يوجد أي تشابه بينهما لا على الصعيد السياسي ولا الاجتماعي ولا الاقتصادي، وكذلك القول أنه علينا أخذ العبرة من أحداث التسعينات وما أسالته من دماء الكثير من الأبرياء لمنع النظام أي عملية سياسية نزيهة تسعى لبناء الجزائر.

صحيح أن النظام في الجزائر نظام مستبد فاقد للشرعية وأن الجزائر فقدت الكثير من أبنائها زمن العشرية السوداء لكن فاتورة التسعينات وما تحمله حتى من أخطاء لكلا الجانين لا يمكن أن تأتي بها وتفرضها على شباب لا يتوقف طموح التغيير لديهم عند عتبات المساجد وإنما إلى أبعد من ذلك للأسف مازالت هذه الأصوات تبين لنا عن قصر سياسي واضح المعالم، غير واضعة في ذهنها أن العمل السياسي دليل على انفتاح الحركات الإسلامية وقبولها لأسلوب الحوار فهو درع يحميها من أبواق العلمانيين الذين لطالما اتهموا الحركة الإسلامية بالانغلاق على نفسها وأن قادتها تجار دين فقط.

ألا تعلم هذه الأصوات أن ترك العمل السياسي هو إيذان بفتح الباب للمس بمقومات الشخصية الجزائرية وبالثوابت التي يدين بها الجزائريون مع إخوانهم في الأمة الإسلامية، وقد ظهر ذلك جليا في مجالي الثقافة والتربية خاصة بعد فضائح كتب المنهج الدراسي الجديد واعتبار فلسطين دولة إسرائيلية! لنقل أن إخوتنا في تركيا كان منطق تفكيرهم بنفس منطق هذه الأصوات، دعونا نتصور معا كيف كانت ستكون فاتورة الأزمة السورية وضريبتها على اللاجئين لو لم يجدوا يد العون من قادة تركيا الذين يحملون معهم نفس الهم؟! وافتحوا التلفاز لتنظروا بأعينكم معاناة إخوتنا الليبيين والماليين وحدهم لأن في بوابة إفريقيا إخوة لهم شعارهم لا نستطيع.

ألا يعد رفض العمل السياسي منع للشباب من المنصات التي يعبرون من خلالها عن أفكارهم وآرائهم بكل حرية، وكذلك تغييب للمرجعية السياسية -التي تضاف إلى غياب المرجعية الدينية في الجزائر- المتوافقة مع تربيتهم الإسلامية، وبالتالي دفع لهؤلاء الشباب نحو دائرة الغلو والتطرف بغياب قادة سياسيين يكونون قدوة لهم في مسيرة التغيير وفي كيفية التعامل مع مكر نظام لطالما ضيق عليهم الخناق؟!

يجب على هذه الأصوات أن تعي جيدا بأن ترك العمل السياسي هو ضرب من ضروب الخيال، فكل من يريد إصلاح الأمة وضمان العدل وحفظ الحريات والحقوق وتأمين المال العام مغيبا لدور السياسة في ذلك فهو للأسف يمشي في طريق التغيير برجل عرجاء، ولذلك عليه أن يغير طريقة تفكيره قبل محاولة تغيير أمته، ففي السياسة الكلمات هي الخطط الاستراتيجية والأقلام هي البنادق والحبر هو الذخيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.