شعار قسم مدونات

لهذا أحب كريستيانو أكثر من ميسي

blogs رونالدو و ميسي

في المنافسة الفلسفية بين شخصيتي باتمان وسوبرمان، برز جدال يطعن في عدالة المقارنة بينهما في ظل اختلاف مصدر القوة الخارقة التي اكتسبها كلٌّ منهما.. من الواضح أن باتمان -الإنسان الأرضي- قد اكتسب تلك القوة عبر التعلم والتقنية والتدريب والتطوير.. أما سوبرمان -الكائن الفضائي- فقد أهديت له القوة عبر الأشعة الكونية في معركة كريبتون، ليصبح بعدها خارقا بكامل قوته دفعة واحدة، دون إرادة أو متابعة، ودون قصد أيضا.

 

يحتاج باتمان إلى سيارة مجهزة بأسلحة آلية، وغرفة مزدحمة بالشاشات، وعيون خادمه الساهرة في مرقبتها، وجهاز شعاع للاستدعاء، وأجهزة اتصال للمتابعة والتواصل.. أما سوبرمان، فلا يحتاج كل هذا، هو قادر على الطيران، وتطلق عيناه أشعة الليزر!

 

المعرفة عند باتمان تراكمية، تزداد يوما بعد يوم، وتثقلها التجربة والخبرات، ويكتشف أسرار إمكاناته وخفايا قواه مع الحوادث، ويغلبه الضعف الإنساني أحيانا كثيرة.. أما صاحب الرداء الأحمر، فإن المعرفة عنده لا تختلف كثيرا عن طابعه البرمجي، كيان مكتمل البناء منذ لحظته الأولى.

 

ميسي وُلد ليكون لاعب كرة قدم.. هو سوبرمان مطبوع، حتى في سنوات مرضه الأولى، كان ماهرا بدرجة أجبرت ناديًا بحجم برشلونة على تبني علاجه حتى النهاية

كمشاهد، ستبهرك إنجازات سوبرمان، الخارق القاهر الذي لا يبدو منه أبدا أي ملامح للضعف والتردد، عكس باتمان، الإنسان المجتهد، القوي الضعيف، لتخرج في النهاية بنتيجة واضحة، إن سوبرمان أقوي من باتمان.. فإلى أي مدى نجد تلك النتيجة عادلة؟

 

إن مشاهد القتال في ميثولوجيا سوبرمان تأخذ دائما قالبًا ثابتًا، يبدأ بشرير يرتكب الجرائم، ويتمادى، ويتمادى.. ثم حين يدركه سوبرمان ينتهى المشهد قريبًا، فصاحب الرداء الأحمر سرعان ما يردي خصمه مهزوما.. أما في ميثولوجيا باتمان، فإن مشاهد الاقتتال تستهلك كثيرا من الوقت، يكون فيها باتمان بين الحالين، يفوز مرة، ويسقط مرة.

 

بعبارة أخرى، التشويق في قصص سوبرمان يشتعل في غيابه، ويحتدم الشغف في انتظار ردة فعله حين يحضر ليؤدب ذلك المجرم الشرير.. أما باتمان، فغيابه عن المشهد يجعل القصة مملة،  إذ إن الاقتراب من ملامحه وتطورات ردات فعله المتغيرة هي ما يحرك قلب المشاهد والقارئ.

 

تلك المسألة الفلسفية، وبعيدًا عن الميثولوجيا، تبرز كثيرا في العلوم الإنسانية.. أذكر حين درسنا في النقد الأدبي فصلا عن الطبع والاصطناع في الشعر، وكيف أن النقاد يصنفون الشعراء إلى شعراء مطبوعين على النظم، يخرج منهم ارتجالا كالماء الجاري، وشعراء مصنوعين يجاهدون الكلمات كي تنتظم في بناء، كأنهم أصحاب صناعة.

 

بديهي أن الأساتذة كانوا يتحدثون بوثوق عن أن الشعراء المطبوعين كثيرا ما يكونون أكثر إجادة من نظرائهم المصنوعين، إلا أنني كنت أجد في نفسي احتراما وتوقيرا لهؤلاء المقاتلين الذين ينحتون صخور الكلمات، وأراهم أولى بالتزكية والتصدير من هؤلاء الذين وجدوا الشعر يجري على لسانهم دون نزاع.

 

المقارنة بين ميسي وكريستيانو لا تبتعد عن تلك المنطلقات كثيرا.. الأمر لا علاقة له بكرة القدم؛ إذ إنني لا أشك في أن الإجماع الكروي يوقن بأن الأول أكثر مهارة وإمتاعًا من الأخير، إلا أن القاعدة التي لطالما كانت حاضرة في بناء تقيمياتي تغلبني، فميسي وُلد ليكون لاعب كرة قدم.. هو سوبرمان مطبوع، حتى في سنوات مرضه الأولى، كان ماهرا بدرجة أجبرت ناديًا بحجم برشلونة على تبني علاجه حتى النهاية.

 

أحب كريستيانو رغم أنني أجد المتعة الغالبة في أقدام ميسي، لكنّ الأول يخوض الحياة على النحو الذي نخوضها به، لذلك أجدني أكثر سعادة حين يحرز هدفا، وكأنني أنا من أحرزه.. كريستانو بالنسبة لي أكثر من لاعب، هو أيقونة أراقب تفاصيل حركته

أما كريستيانو، فلطالما وجدتُ فيه روح المثابر، الطامح إلى التطوير والإجادة، الباحث عن قدرات نفسه والتمكن منها.. تبث رحلته المكابدة والترقي والوصول الكادح.. هو أقرب إلى الطبيعية، أقرب إلى تجاربنا، إلى باتمان، إلى صاحب الصناعة والتجربة.

 

حتى خارج ملاعب الكرة، لا يخفى على أحد أن كريستيانو تمكَّن من بناء كيان اقتصادي وعلامة تجارية مهيبة، الرجل يخطط لسنوات نهاية الحضور التي أوشكت، ويتجهز ليتحول إلى رجل أعمال لا يمكن التنبؤ بمستقبله سياسيا ورياضيا وخيريا.. أما ميسي، فيبدو عبثيا كسوبرمان، يمرر الأيام دون التفكير في الغد، دون خطة، دون رؤية يمكن مراقبتها، هو فقط، لاعب كرة قدم خارق!

 

باختصار، أحب كريستيانو رغم أنني أجد المتعة الغالبة في أقدام ميسي، لكنّ الأول يخوض الحياة على النحو الذي نخوضها به، لذلك أجدني أكثر سعادة حين يحرز هدفا، وكأنني أنا من أحرزه.. كريستانو بالنسبة لي أكثر من لاعب، هو أيقونة أراقب تفاصيل حركتها، وأجد في نجاحاته دافعًا لي كي أواصل الرحلة، حتى لو كان المضمار خارج ملعب كرة القدم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.