شعار قسم مدونات

زيف المواجهة الطائفية مع إيران

blogs إيران

تمر الآن منطقتنا بظرف حساس ودقيق يستدعي مراجعة المفاهيم والقيم التي سُعرت على أساسها حروب هذه المنطقة طوال العقد الماضي وربما أكثر من ذلك، خاصة وأن أقطاب المنطقة من الدول هي التي أجهزت على مشاريع التغيير في الوطن العربي، في الوقت الذي تريد فيه من الجميع أن تصطف خلفها في حروبها، وهو شيء بها من اللامعقولية وفرة.

 

هذه الحروب التي سمعنا فيها مصطلحات كـ "حلف أهل السنة" و "الحرب ضد الروافض" وغيرها من أكاذيب التحشيد التي أغرقت وسائل الإعلام في معركة سياسية واستراتيجية في المقام الأول بين دول تخوض معاركها بيقين تام بأن العداء بينهما متجاوز للطائفية، لكن في نفس الوقت يعلمون أن تسويق الحرب بلا طائفية لن يؤتي أُكله مع الجماهير المتعطشة لسماع ملاحم الدفاع عن السنة والاضطهاد بلحفات دينية من مشايخ تحت الطلب.

 

عقب الأزمة القطرية الأخيرة مع المحور السعودي والإماراتي الذي اتهمها صراحة بالتعاون مع إيران ضد أمن الخليج، اتضح إن حجة إيران صارت علكة تلوكوها الألسنة ليل نهار، وستفقد بريقها أمام الاستهلاك السعودي الإماراتي الرخيص.

 

هذا الحلف السني الذي تتوهمه السعودية وتتوهم قيادته لم يفعل شيئًا سوى الحرب الكلامية والإعلامية أمام طهران العدو الذي يجب في نظرهم أن يبقى مستحضرًا في كل وقت وحين، لتبرير كل نازلة سلطوية في المنطقة

فالإمارات الشريك التجاري الأول والرئيسي لإيران في الخليج تتهم قطر بدعم مخططات إيرانية في المنطقة، والسعودية التي تحاصر قطر لم تستطع أن تتخذ خطوة مماثلة مع إيران "الخصم اللدود" طوال عقود، حتى بات الطيران الإيراني يمر فوق الأجواء السعودية التي يُحرم منها الطيران القطري بذريعة دعم إيران.

 

وبالمتابعة المتأنية أيضًا نستشف من الأزمة القطرية أن كل من يختلف سياسيًا مع هذه الدول سوف يوصم بنفس التهم "التعاون مع إيران"، "دعم الإرهاب" وغيرها من الأساطير التي تحلق طلبًا للشعبوية، والتي تحاول إخفاء الأسباب الحقيقية للمعارك.

 

هذا الحلف السني الذي تتوهمه السعودية وتتوهم قيادته لم يفعل شيئًا سوى الحرب الكلامية والإعلامية أمام طهران العدو الذي يجب في نظرهم أن يبقى مستحضرًا في كل وقت وحين، لتبرير كل نازلة سلطوية في المنطقة، في حين الذهاب إلى القياس الاستراتيجي في المعارك بين الطرفين، تجد إيران فعلت ما حلى لها في العواصم العربية التي نازلت فيها المملكة الشائخة، في حين لا تريد السعودية نزال إيران بمشروع حقيقي غير المشروع الطائفي الذي جله ضجيج بلا طحين.

 

حاولت السعودية مرارًا جر عواصم إسلامية كبرى إلى هذه اللعبة كتركيا وباكستان وحتى حليفها الجنرال المنقلب في القاهرة، إلا أن الرفض كان الجواب على اصطفافات الرياض الفارغة من أي مشروع سوى الحديث عن "المد الشيعي" والخطر الرافضي" وكل هذه التراهات التي لم تغني عن السعودية شيئًا في حربها بمستنقع اليمن الذي افتتحته بأيديها وغاصت فيه حد الغرق.

 

لم يحقق التحالف الإسلامي المزعوم أي نتائج على الأرض، ولم تنجز السعودية أي تقدم أمام طهران لا في العراق ولا في لبنان، والوضع في سوريا غني عن التعريف، وأصبحت تصب المملكة اهتمامها في قمع الأقليات الشيعية في دول مجلس التعاون الخليجي.

 

استخدمت السعودية في حربها المزيفة ما يحدث على الأراضي السورية من "إجرام إيراني" للاستمرار في الحشد الطائفي، في حين تتجاهل الجرائم المماثلة التي يرتكبها تحالفها في اليمن وفق التقارير الدولية، ففي هذه اللحظة تنكشف حقيقة الادعاءات وزيف الحروب الكلامية، فحينما تُدافع كل دولة عن مصالحها المتوهمة في أراض أخرى ترتكب كافة الموبقات الدموية، وكل يُغني على ليلاه، فهناك من يحمي القدس في دمشق، وآخر يحمي السنة والكعبة في اليمن بقتل الأطفال وقصف المدارس.

 

إن إيقاف أي زحف لمشروع قد تراه خطرًا عليك، وهنا أتحدث خطر على المنطقة بمفهومها الأوسع وليس على ممالك النفط فقط، يبدأ من امتلاك مشروع وتصور للمنطقة قائم على شيء من العدالة، والتوقف عن هذا العبث الطائفي الفارغ

من يُحاول كسر عصاه وشق صفوفه في معركته بافتعال الكوارث مع جيرانه قبل أعدائه، لا يُنتظر منه أن يواجه في صراع حقيقي في المنطقة، بل ستتوالي خيبات الأمل أمام إيران، وهذا ليس تحيزًا وإنما اعترافًا بأن هناك دولة تلعب السياسة بأصولها وفنونها، وما موقفها من أزمة قطر ببعيد الذي يدل على القراءة الجيدة للخريطة الخليجية المتهتكة، في مقابل تصرفات صبيانية عصفت بمجلس التعاون الخليجي الذي من المنتظر أن تُطلق عليه رصاصة الرحمة في أقرب وقت ممكن.

 

إذا لم تستطع السعودية أن تقنع حليفها الجنرال السيسي بالوقوف معها في معركتها ضد إيران بأساليب جديدة ولم تشتري منه سوى مواقف باهتة، ولم تستطع أن تقنع جارتها قطر، وتخوض معارك تمزق الصف الخليجي في محاولة لتطويعه فقط تحت راية الرياض، وإذا احتفظت تركيا وباكستان بمحدداتهم الذاتية في الصراع مع إيران، فكيف تنتظر الرياض نتيجة المعركة مع المحور الإماراتي الشريك التجاري الأول لإيران في الخليج العربي.

 

بلا شك المنطقة الآن على صفيح ساخن، وكل الدول تعمل على إخراج مشاريعها وتصوراتها للمنطقة إلى العلن شيئًا فشيء، خاصة في ظل حالة السيولة الآنية، والتي يتوقع منها أن تتبلور على إثرها قواعد وحدود وسياسات جديدة في الشرق الأوسط، ومن بين هذه الدول إيران التي تمتلك أحد أقوى المشاريع الأيديولوجية التي تحكم دولة بمقومات هائلة (سواء اتفقت أم اختلفت مع هذا النموذج).

 

إذن لا مجال للأفعال الصبيانية والمغامرات الطفولية في هذا الظرف الحساس، والمواجهات التي تتم بين هذه المشاريع حاليًا في غاية الشراسة، وتحاول الدول أن تكسب أكبر قدر من الداعمين في كل مرحلة، وهو ما تفعله تركيا الآن التي تواجه إيران بالفعل مواجهة مشروع أمام مشروع، وليس بحرب طائفية زائفة، وهي مواجهة قد تظهر مكتومة أحيانًا وتظهر مشتعلة مرات أخرى، لكن في النهاية تبقى لها محدداتها العاقلة، وكوابحها المتوافرة، بين دول تفهم ماهية السياسة والعلاقات الدولية، وخطورة اللحظة الراهنة.

 

في مقابل أحاديث ذهانية عن حلف سني في مقابل حلف شيعي، وتحالف إسلامي مهترئ، وحروب كلامية يقودها مشايخ تويتر، واستمراء لحالة الكسل الذهني والفعلي، واستدعاء العداوة مع الحركات السياسة الإسلامية في معارك لاستعراض القوة فقط لا غير، بل لم يكتف البعض بهذا فأخذ يحاول أن يطعن الخاصرة التركية بدعم الأكراد إعلاميًا، وهو ما يضعف تركيا أمام إيران، وهو مزيد من البرهان على زيف الحرب الطائفية مع إيران.

 

اللعب مع إيران ليس مستحيلًا كما تُصور مجموعات التحليل السياسي الساذج المدعومة سعوديًا لترويج الحرب الطائفية، وأقدر ما يُدلل على هذا هو ما لجأ إليه الغرب مع طهران في الملف النووي الذي انطلقت مفاوضاته من قلب الخليج "مسقط" العُمانية

إن إيقاف أي زحف لمشروع قد تراه خطرًا عليك، وهنا أتحدث خطر على المنطقة بمفهومها الأوسع وليس على ممالك النفط فقط، يبدأ من امتلاك مشروع وتصور للمنطقة قائم على شيء من العدالة، والتوقف عن هذا العبث الطائفي الفارغ.

 

 اللعب مع إيران ليس مستحيلًا كما تُصور مجموعات التحليل السياسي الساذج المدعومة سعوديًا لترويج الحرب الطائفية، وأقدر ما يُدلل على هذا هو ما لجأ إليه الغرب مع طهران في الملف النووي الذي انطلقت مفاوضاته من قلب الخليج "مسقط" العُمانية، ونجحت في النهاية في إيجاد صيغة تفاهم مع خصوم ألدة، ولكن في وسط كل هذا كان هناك تصور ومشروع جلس على طاولة مفاوضات مع تصور ومشروع آخر، ولا عزاء للدبلوماسية الصيبيانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.