شعار قسم مدونات

الطيبات للطيبين..

blogs زواج

الحريصون على سعادة بناتهم هُم من يرتضونَ لهم أزواجاً تكتملُ فيهم صفات العفاف والغيرة على العرض والثبات على الدين وخشية الله.. لن يُرضيني أن أزوج ابنتي ذا مال وجاه دون طيبة الخلق والقلب وأنا التي ربيتُها على عزة النفس وكبرياء الحياء فلا تنصاع وراء ماديات الحياة ومظاهرها لأنها تعلمُ مثلما أعلمُ أن كل مظاهر الحياة فانية وزائلة إلا مكامن الروح وجوهر مبادئها فهي ثابتة، كان هذا حديث سيدةٍ التقيتها خلال إجازة الصيف من العام الماضي في أحد الأماكن العمومية، أخبرتني أن لها بنتان، أما الأولى فقد تزوجت وهاجرت صوب بلد أوروبي وأما الثانية فقد تخرجت لتوها من مدرسة عليا.

ولأن من طباعنا، نحنُ الشباب، أن ننهل من تجارب مَن خَبِر الحياة ودروبها فقد رِحتُ أستمع للسيدة التي بدتْ سعيدة وهي تستعرضُ مسار ابنتها الأصغر علني أخرج بحكمة أهتدي بها يوماً في مسار الحياة. كان كلامنا في البدء عن العلم والدراسة وعن أهميتها للفتاة أكثر من الذكور، أقنعتني بحُججها أن العلم والتحصيل العلمي سلاح فتاة اليوم سيدة الغد يبوئها مكانتها في المجتمع ويعلي من مرتبتها داخل منظومة الأسرة تعرف من خلاله حقوقها وواجباتها ويجعلها كريمة القَدْر لا تحوج لأحد من خلق الله. عرجناَ على الحياة المهنية ما بعد التخرج، أخرجت هاتفها الذكي من حقيبتها لتستعرض لي صور حفل تخرج ابنتها وقد علت عيناها نظرة فخر وحبور كبيرين سائلة الله أن يُوفقها ويرزقها الذرية الصالحة التي تنقل إليها تربيتها وتلتمس فيها تشريفا لرسالتها في الحياة.

تذكرتُ قول والدي يحفظهُ الله "اتق الله ترَ عجباً" هي عبارةٌ يُذكرني بها في كل حين وآن، في خرجاتنا ومحادثاتنا الهاتفية، في جلساتنا في المنزل وكلما استوجب مشهد من مشاهد الحياة استحضار تلك العبارة.

تحول النقاش لينصبَ على بعض من جوانب حياتي الشخصية، استأذنتني في السؤال عن مساري التعليمي والمهني، عن الصعوبات والعقبات التي اعترضت طريقي في الحصول على وظيفة، عن آفاق العمل في البلاد وفنون التعامل مع العباد في ظروف الحياة الشداد. سايرتً فضولها وبسطت لها تجربتي المتواضعة في الحياة، دعت لي بالتوفيق وشجعتني على أن أكمل نصف ديني وأتزوج حتى تزداد الحياة جمالاً فأتقاسم همومي ومشاغلي مثلما أتقاسم أفراحي وشغفي مع شريكة حياة يبارك الله فيها لي..

لم أتردد في إجابتها بأن رحلة البحث عن نصفي الآخر مضنية في زمننا، ناهيك عن ضرورة توفر خصال وميزات تجعل الزواج ناجحاً ومؤسسته كاملة البنيان لا تنقُصها لبنةٌ، ذكرتُ لها شيئاً من طباعي، خجلي في مواقف كثيرة، حرصي على الموازاة والمساواة بين واجباتي كزوج وواجباتي المقدسة كابن شديد الارتباط بوالديه مُخلص لتعاليمها وعلى عهد البر بهما إلى آخر أنفاس حياتي، حكيت لها عن كُرهي لمن تجعل الماديات أكبر همها ومَن لا تصبر على بساطة العيش إلى حين ميسرة ومَن لا تتقي الله في نفسها وترضى بأن تُزيل عنها رداء الحياء والعفاف..

سردتُ لها حبي لمن تبرُ بوالديها أولاً فمن لا خير فيه لأمه وأبيه لا خير يرتجى منه للناس، حبي لمن لا تثرثر كثيراً وإن تكلمتْ جعلت السامع يُصغي لجميل كلامها، حبي للهادئة المتأنية التي ينعكس هدوئها وطيبة كلامها على ذرية نُرزق بها بحول الله، حبي للعارفة بكتاب الله وتعاليم رسوله الكريم فتعرف حدود الله، لا تُؤذي قلباً ولا تُفشي سراً من أسرارنا وتتقي الله فيمن تُحب ..

سمعَتْ شروطي بانتباه وتركيز بالغين ابتسمتْ وأجابت باختصار: "الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ"، مثلما ترتجي خيراً فيها وفي حسن تربية أهلها الكرام لها فلابد أن يرزقك الله على قد نيتك ولن يُخيب الله رجاءك ولا أملك ما دُمت لا تظلم.. ظُلم الأنثى في عرضها يا ابني عظيم ولا يُكَفره شيء فتُعاقبُ عليه في الدنيا قبل الآخرة. أحسن تعامُلك، صنْ نفسك وتشبث بعفافك يرزقك الله بحوله مَنْ ترتضيها نفسك.. تذَكر كلامي واثبت على ما ذكرتهُ لي يأتيك الله بخير الأقدار وأجملها.

تذكرتُ حينها قول والدي يحفظهُ الله "اتق الله ترَ عجباً" هي عبارةٌ يُذكرني بها في كل حين وآن، في خرجاتنا ومحادثاتنا الهاتفية، في جلساتنا في المنزل وكلما استوجب مشهد من مشاهد الحياة استحضار تلك العبارة. مثلما تذكرتُ عبارة والدتي "كما تدين تُدان" فزادني ذلك أملاً ويقيناً أن الله لا يظلمُ عباده شيئاً وهو الذي يرى حسن التعامل والعمل فيُباركه.. ولا عجب في أنْ يرزقكنَ الله أنتنَ الطيبات بطيبين من طينتكن وطيب أصلكن، ولا عجب أن يرزقكم الله أنتم الطيبين بطيبات في مستوى خلقكم وجميل تربيتكم.. وما ذلك على الله بعزيز.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.