شعار قسم مدونات

"أسلاك" الحياة!

blogs - أسلاك

تعثّرت قدمُه، فأخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة… لاعناً ومتوعداً لكومة الأسلاك التي كادت توقعه أرضاً، أخذت زوجته تعاتبه: "استغفر الله، وما دخل الأسلاك؟ قلت لك رتبها أكثر من مرة لكي لا تتعثر بها أو تؤذيك بلمس كهربائي مثلاً لا سمح الله.

أخذ يُلملم الأسلاك ويكومها من جديد بطريقة فوضوية أكثر وبانزعاج أكبر، كل يوم يقول إنه سيرتبها، ليفصل سلك التلفاز وأسلاك جهاز "الساتلايت" عن أسلاك المروحة، عن أسلاك وصلة الكمبيوتر، عن سلك وصلة الإنترنت واللاقط اللاسلكي له، لكنه في كل مرة ينشغل بشيء آخر. حاولت زوجته مرة أن ترتب الأسلاك، ففصلت التلفاز وتلِفَ سلك الإنترنت الموصل لللاسلكي، فانزعج وظل أكثر من ساعتين وهو يحاول إعادة تشغيل التلفاز وإيصال جهاز الإنترنت وإعادة تعريفه مع جهاز اللاسلكي.

يومها حذر زوجته من أن تلمس الأسلاك مرة أخرى، قالت له إن منظرها يدعو للانزعاج خاصة أنه في منتصف غرفة الجلوس، وكل من يزورهم ينتقد الأسلاك، وأمها اتهمتها بالإهمال. فراح يتكلم عن الناس وكيف يتدخلون في شؤون بعضهم البعض حتى في طريقة ترتيب بيتهم، قال وهو غارق في إصلاح سلك الإنترنت: "نحن أحرار، نضع الأسلاك أينما شئنا، بعدين… أنت رتبي كل شيء حولها فلن تعودي تشعري بأنها موجودة أصلاً".

اشترت الخزانة ورتبت غرفة الجلوس، تفاجأ زوجها بالبداية وقال لها إنها جميلة، لكنه لاحظ أنها لملمت الأسلاك ودفعتها داخل الخزانة الصغيرة بدون ترتيب، فغضب وقال: هكذا أفسدت الأمر أكثر.

كانت الأسلاك تفتح الباب لاحتدام مشاكل أخرى بينهما، فتتعدى المشكلة هذا الأمر إلى النقاش حول اختلافهما في بعض الأشياء، أو ما يضايقهما في تصرفات كل منهما تجاه الآخر، أو حول أهله وأهلها أو أصدقائه أو صديقاتها، أو حتى حول البيت ومتعلقاته والحياة اليوميّة. جاء العيد سريعاً، وكان عليها أن تنظف وترتب البيت، وظلت تفكر في حل لمشكلة الأسلاك في الصالة، فقررت أن تشتري خزانة للتلفاز، وبهذه الطريقة تستطيع أن تخفي الأسلاك في داخلها، وستفاجأ زوجها فيها.

وبالفعل، اشترت الخزانة ورتبت غرفة الجلوس، تفاجأ زوجها بالبداية وقال لها إنها جميلة، لكنه لاحظ أنها لملمت الأسلاك ودفعتها داخل الخزانة الصغيرة بدون ترتيب، فغضب وقال: هكذا أفسدت الأمر أكثر؟ قالت له: "لم أفسد الأمر.. بل وجدت حلاً للمشكلة!" لم يعجبه كلامها، وجلس على الأرض وأخرج كل الأسلاك من جديد ورماها أمام الخزانة الجديدة بغضب وغادر الغرفة.

بعد ساعات وخلال الليل… أحسّ بأنه أخطأ، فقام إلى غرفة الجلوس وأخذ يرتب الأسلاك، فاكتشف أن سلك الإنترنت تالف تماماً فتخلص منه ورتب بقية الأسلاك بشكل مرتب. في صبيحة العيد، لاحظت زوجته أنه رتب الأسلاك داخل خزانة التلفاز الجديدة، فأشارت له أنها كانت تود مفاجأته في الحلّ الذي وجدته لمشكلة الأسلاك، فابتسم معتذراً في محاولة لتناسي الخلاف، وراح يمتدح الخزانة الجديدة وكيف انها ستسع الأسلاك كلها وبترتيب. بعد أيام، اشترى سلكاً جديدا للإنترنت، وأخذت هي السلك القديم وكان طويلاً بلا مبرر… وفكرت أنه سيكون مناسباً لتعليقه في الشرفة الخلفية للبيت، كحبل لنشر الغسيل الذي لا ينتهي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.