شعار قسم مدونات

خواطر أم مرهقة في رمضان

blogs الأمومة

ها قد مرت عشرة أيام من الشهر الكريم كلمح البصر.. كان عندي أمل كبير هذه السنة بالذات، لكن للأسف سأقولها وكلي خجل من نفسي.. رمضاني هذا العام كغيره من الرمضانات السابقة، لا شيء جديد، ركض فوق ركض وتعب فوق تعب ووجبات فوق واجبات، لقد ظننت أن الأمر لن يحتاج مني لأكثر من بعض التنظيم، تنظيم الأفكار أولا ثم تنظيم الوقت وستسير الأمور على ما يرام، لكني أكاد أرى الواقع المر يظهر أمامي مبتسما ابتسامة الشامتين وهو يقول: "كان غيرك أشطر!".. يا لله كم هو مزعج شعور تكرار الفشل، ليس لأني لا أريد تقبله ولا لأني مللت من تكرار المحاولة، لكن لأني لا أعلم حقا، ترى كم رمضانا سندرك بعد؟

 

أمامي ورقة كنت قد كتبتها قبل اسبوعين أي قبل بداية رمضان، أحسبني كنت أفرط فيها في "الإيجابية النظرية"، هذا طبعا قبل أن اصطدم بالحائط الذي يفصل التوقعات عن الواقع.. كتبت فيها:

 

" أيام قليلة تفصلنا عن رمضان.. ها أنا ذا أجلس لأوثق اللحظة، أمسك بالقلم لأسجل الشعور الذي يعتريني الآن علني أنجح في الإمساك به ثم استحضاره طيلة الشهر الكريم ليقويني ويشد من أزري فأنا أعلم جيدا أن المهمة لن تكون سهلة.

 

نهاري في رمضان إن بدء باكرا فلا انجاز فيه بسبب قلة النوم نظرا لنومنا بعد آذان الفجر وإن بدء متأخرا فلا وقت فيه لكل ما يجب إنجازه، لا يكاد ينتهي الإفطار بكل الاستنفار التي يسبقه ويليه، حتى يبدأ موسم السحور والحلويات والمشروبات

يا الله، كيف يمكنني أن أصف ما أشعر به الآن؟ هو الشعور ذاته الذي طالما أحسست به عند اقتراب رمضان منذ كنت في الخامسة من عمري أي عندما بدأت بتكوين تصور لماهية هذا الزائر المنتظر، في البداية كنت أظن رمضان شخصا مهما سيزورنا، ذاك النوع من الأشخاص الذي تقف العائلة على قدم واحدة وتستنفر اياما بحالها استعدادا لزيارته، ثم أسأل أمي بحزن عن سبب عدم مجيئه رغم أني سمعتها عدة مرات تؤكد قدومه.. بعدها أدركت أن رمضان هو شيء وليس شخصا، ثم بدأت أعي أنه فترة زمنية سحرية تأتي لتقلب موازين الروتين لتصبح معها الحياة مختلفة وأجمل بطريقة ما، طعام شهي لا نراه طيلة العام، زينة وألوان، مسلسلات لها أول وليس لها آخر، سهر لوقت متأخر، ضيوف لا ينقطعون، لعب وجري مع الأطفال في باحة المسجد.. لا أدري لما دخلت بهذه التفاصيل الآن؟ نعم لأذكر أن شعوري تجاه رمضان مازال كما هو، فرحة وحماسة وأمل.. أما الفرحة والحماسة فما عادت للأسباب السابقة بل أصبحت رغبة في الاستفادة من الشهر الكريم كما يجب، وأما الأمل فهو بأن أنجح هذه المرة بتنظيم وقتي في رمضان

 

أنا دائما هكذا أدخل المهمات الجديدة/القديمة بفارغ الأمل وكأنني أدخلها للمرة الأولى محاولة إقناع نفسي بأن هذه المرة ستكون مختلفة، لكن يتخلى معي أبو الطيب المتنبي عن طيبته ليذكرني بأن الرياح ستجري بما لا تشتهي السفن وبأن تمني المرء بعيد فعليا عن أسنانه

 

باختصار، نهاري في رمضان إن بدء باكرا فلا انجاز فيه بسبب قلة النوم نظرا لنومنا بعد آذان الفجر وإن بدء متأخرا فلا وقت فيه لكل ما يجب إنجازه، لا يكاد ينتهي الإفطار بكل الاستنفار التي يسبقه ويليه، حتى يبدأ موسم السحور والحلويات والمشروبات، هذا طبعا خارج أيام العزائم وما أدراك ما العزائم (بيت عائم وزوج نائم)، العزائم التي تأخذ عزيمتك بعد انتهائها لأيام، ولا تكاد تستجمعها حتى تأتيك عزيمة أخرى.. أما الصغار فهم قصة أخرى، فبعيدا عن نقيقهم المتواصل كالضفادع ومشاجراتهم التي تأكل طاقتك أكلا، فإن الحزن يتملكني عندما أتذكر أنني لا أقضي معهم وقتا مفيدا كما يجب، فأبدأ بالدخول بدوامة من لوم الذات.. كل ما أتمناه هو أن أجد وقتا لأصلي أو أقرأ القرآن باطمئنان وتفكر، وهذا طبعا لا يحدث ليس فقط بسبب المقاطعات المتكررة، بل بسبب شعوري بأني قد سرقت هذا الوقت سرقة من جدول المهام المكتظ وأن الكثير مازال في الانتظار

 

يقال إنّ النساء يحتجن بطبيعتهنّ للكلام والفضفضة لإفراغ خزان أفكارهنّ المتخم، وأنا اعتدت أن أفرغ خزاني على الورق فأحس بعدها أني أخف وزنا -ولو مؤقتا- وأصبح قادرة على رؤية الضوء في آخر النفق فاستجمع قوتي من جديد.

 

نحن الأمهات هكذا مسلحين بقوة من الله، مع كل دمعة ابتسامة تمسحها ومع كل احباط جرعة أمل.. تقبل الله منا جميعا وعوض تعبنا خيرا في أبنائنا وألهمنا الحكمة والقوة لمواصلة الدرب.

المضحك في الموضوع أنني عندما أعود لقراءة ما كتبت، أجدني قد انطبق عليّ المثل الشعبي "متل أم العروس فاضية ومشغولة" وأجد عندما أراجع جدول نهاري أن ما يشغلني لا يمكن أن يشغلني لهذا الحد وأنه لا بد أن يكون هناك حل، ثم أعود لنفطة الصفر من جديد لأقنع نفسي أن الموضوع لا يحتاج لأكثر من بعض التنظيم ليس إلا، ومع أني مستعدة للمحاولة مرات ومرات واعتبره جزء من واجبي، إلا أنني أجد السؤال ذاته يلح عليّ من جديد، ترى كم رمضاناً سندرك بعد؟.. هنا تسقط دمعة يرتجف معها قلبي خوفا من تقصيري وأملا برحمته جل وعلا.. ربي أنت أعلم بحالي فلا تكلني لنفسي طرفة عين

 

ذات مرة قرأت جملة لأحد الأمهات تقول فيها: نحن الأمهات هكذا مسلحين بقوة من الله، مع كل دمعة ابتسامة تمسحها ومع كل احباط جرعة أمل.. تقبل الله منا جميعا وعوض تعبنا خيرا في أبنائنا وألهمنا الحكمة والقوة لمواصلة الدرب. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.