شعار قسم مدونات

فإني إلى قوم سواكم لأميل

Men sit in a make-shift raft after trying to leave the country illegally as the Cuban coast guard watches them near Havana's seafront boulevard El Malecon June 4, 2009. Seven men jumped into the sea after the coast guards tried to sink the raft in an attempt to force their surrender to authorities ashore. REUTERS/Enrique De La Osa (CUBA CRIME LAW SOCIETY)

مخطئ من یعتقد أن حالة الاحتقان والیأس التي یعیشھ الشاب العربي هي ولیدة السنوات القلیلة الماضیة، وانعكاسات لفترة ما سمي بالربیع العربي، ولأن ذاكرتنا قصیرة یتناسى الكثیرون أن أغلب الدول العربیة، لم تعش استقرار سیاسیا واجتماعیا، على مر التاریخ حتى في فترة بعد الاستقلال، التي كنا نأمل منها أن تتوجه فیها هذه البلدان لبناء أنظمة سیاسیة قویة ودولة تعتمد على مؤسسات مستقلة عن بعضها لتسییرشؤونها بالطریقة اللازمة.

تخضع كلها لمؤسسة قضائیة لا تولي المناصب السیاسیة والاعتبارات السلطویة أي أهمیة، أمام تطبیق القانون كما یجبأن یطبق، إن هذه التراكمات والأزمات والقرارت اللامسؤولة على مر التاریخ هي ما دفعت بالشباب العربي للجنوح وتفضیل ترك بلدانهم، بحثا عن عیش أفضل في بلدان لا تقالیدها
تقالیدهم ولا لغتها لغتهم وأغلبها لها سبب مباشر لما نعیشه من توتر منذ سنین.

بین المر والأمر، للشباب العربي أن یختار وقد اختار ركوب قوارب الموت ولسان حاله یقول: – أَقِیمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِیِّـكُمْ فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لأَمْیَـلُ.

لكن الأمر الأهم من الهجرة تلك الطرق البالغة الخطورة التي یسلكها الشباب العربي، في سبیل الوصول لتلك البلدان الغربیة، والتي یعتقدون أنها ستفتح ذراعیها لهم وتحتفي بوصولهم، لهذا فالسؤال الذي حیر علماء الاجتماع والنفس، هو ما الذي یدفع الشباب العربي لترك أوطانهم وامتطاء قوارب الموت للوصول لبر الحیاة على حد تصورهم؟

رغم أن الجواب بسیط إلا أنه یتطلب بنا دراسة معمقة لظاهرة الهجرة غیر الشرعیة، أو "الحرقة " كما یطلق علیها في بلدان المغرب العربي والتي تعد أكثر البلدان تصدیرا للشباب الیائس من الواقع المعاش، إلى أوروبا ففي الجزائر مثلا تشیر الإحصائیات، إلى أن أكثر من 180000 شخص هاجروا إلى أوروبا خلال عام 2016، فبرغم القرارات الردعیة للسلطات، وخطورة التنقل إلى أوروبا.

یفضل الكثیر منهم الهجرة بأي وسیلة على البقاء في بلدان شربت من نبع الفساد حتى الثمالة، فساد ضرب أطنابه في مؤسسات الدولة وصولا إلى المجموعات الاجتماعیة، فبین غلاء المعیشة، وتقلص فرص العمل، والحروب والأزمات السیاسیة، لم یجد الشباب العربي، إلا ركوب قوارب الصید المهترئة، للنجاة من طغیان وظلم الأنظمة الشمولیة، واحتكارها لأبسط شروط الحیاة.

فحتى إحصائیات الموتى غرقا والمفقودین التي تتزاید عاما بعد عام، لم تكن لتردعهم عن قرارهم، بعدما أصبحوا یشاهدون أبسط حقوقهم المدنیة تسلب وتسرق وتحتكر في وضح النهار زد على ذلك ما تشهده المنطقة العربیة، من حروب أهلیة وإقلیمیة، تبید یومیا آلاف الناس، كیف لا والقصف والبرامیل الكیماویة، لم تعد تفرق بین شیخ وطفل أو رجل وامرأه أو معارض أو موالي، للأنظمة العربیة.

ولهذا فإحصاء تلك الأرقام وتعدید الأسباب لم یعد ذا أهمیة، للحد من الهجرةغیر الشرعیة، لأنها لم تعد الیوم تقتصر على البطال وصاحب الدخل المحدود بل تجاوزت لتشمل اصحاب الطبقة والوسطى وما فوقها لأن الوصول لحالة الیأس یصاحبه جمود في التفكیر والاستشراف.

بین غلاء المعیشة، وتقلص فرص العمل، والحروب والأزمات السیاسیة، لم یجد الشباب العربي، إلا ركوب قوارب الصید المهترئة، للنجاة من طغیان وظلم الأنظمة الشمولیة.

زد على ذلك الفراغ الفكري الذي یعانیه هذا الشباب، نتیجة غیاب تام لدور المثقف الذي أصبح یفضل الرضوخ لقرارات الأنظمة، سعیا لتأمین لقمة عیشه، على مهمته الحقیقة كمسؤول عن رفع مستوى الوعي للشعوب والمجموعات الاجتماعیة، وهذا ما فتح المجال لرواد المواقع الاجتماعیة لتولى المهمة.

فأصبح ذلك المدون البسیط قادر على التأثیر وتغییر نمطیة الشعوب، بأبسط العبارات، ودون اللجوء لتألیف المجلدات والكتب والتنظیر لساعات أمام الكامیرات، وبین المر والأمر، للشباب العربي أن یختار وقد اختار ركوب قوارب الموت ولسان حاله یقول: – أَقِیمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِیِّـكُمْ فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لأَمْیَـلُ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.