شعار قسم مدونات

مدخل إلى الصحة النفسية

blogs الصحة النفسية

على الرغم من التقدم الهائل الذي شهدته المعرفة الطبية إلا أن المجتمع العلمي ما زال عاجزا عن الوصول إلى فهم كامل لأسباب الاضطرابات العقلية والنفسية التي يعاني منها الإنسان، بالرجوع إلى تكوين المادة نجد أن أي مادة تتكون من ذرات وهذه الذرات تتماسك فيما بينها بواسطة شحنات كهربائية هذا التماسك الذي يصعب تفريقه، حيث أن هذا التفريق يعد تدميرا للشيء وللذرة نفسها فيمحي أثرها ويمحق ما تكونه هذه الأخيرة وهذا هو الإنسان، جسد يتكون من خلايا تتلاقى وتتواصل وتتماسك بنظام متكامل ومتآزرو متناغم يعمل تحت إمرة عضو أساسي يتكون من آلاف الخلايا يسمى المخ.

 

هذا الأخير يعد بمثابة أداة التحكم في الجسد ككل، حيث أنه المسؤول عن تلقي المعلومات من الجسم والمحيط في صورة إشارات عصبية تنقل عبر ناقلات عصبية، ويحللها ويعيها ويدرك من خلالها احتياجات الجسم أو الموقف، وبعد ذلك يصدر أوامره عن طريق إشارات عصبية حركية هابطة، تنزل من أعلى المخ للأسفل فتحرك الجسد وتتحكم بكل حركة جسدية.

 

وبالموازاة مع هذه التركيبة العضوية للجسم يوجد بعد آخر للجسد الإنساني يسمى النفس، هذه الأخيرة هي وجه الجسد الغير مرئي والغير ملموس بالتحاليل والإشعاعات الطبية، هذه النفس تعدت نطاق المادة إلى اللامادية، هذه النفس التي لا تنمو وتعيش بالأكل والشرب والنوم بل هي مجموع شحنات عاطفية هذه الشحنات بدورها لها ذرات تختلف عن ذرات الجسد المادية، إنها ذرات غير مرئية تتماسك مع بعضها بالراحة النفسية والتفريغ المستمر للشحنات العاطفية لتعطينا جسدا متزنا نفسيا كما تفعل الذرات العضوية لتكوين جسد متوازن عضويا.

 

إن الخلل النفسي يجعل الروح تتألم وتتفكك الشيء الذي يؤثر على مردودية الجسد ونشاطه، ويتجسد هذا الخلل على شاكلة أمراض نفسية، تفقد الجسد السيطرة على نفسه أحيانا

هذا التفريغ للشحنات العاطفية لا يتيح للكبت أدنى فرصة لإحداث خلل في البنية النفسية، فكما يحدث الخلل في الخلايا اللمفاوية للجسد مرضا عضويا نجد أن أي خلل في البنية النفسية أيضا يصيب الجسد بأمراض على المستوى النفسي فينتج اضطراب على مستوى الإدراك أو العقل الشيء الذي يفسر الاكتئاب المستمر والخلل بوظائف الدماغ وأمراض السكيزوفرنيا والقلق والرهاب النفسي وغيرها من الاضطرابات النفسية، مما يحدث ألما نفسيا حادا يعد أشد وجعا من الألم العضوي.

 

ذلك أن هذا الأخير يمكن تهدئته بمسكنات طبية إلا أن الأول لا يهدأ إلا عن طريق الغوص في ثنايا النفس وشحناتها العالقة باللاشعور وإخراجها لمجال الشعور وبالتالي تفريغ تام لما يوجعها من مكبوتات تحيل بين الجسد والراحة.

 

إن الخلل النفسي يجعل الروح تتألم وتتفكك الشيء الذي يؤثر على مردودية الجسد ونشاطه، ويتجسد هذا الخلل على شاكلة أمراض نفسية، تفقد الجسد السيطرة على نفسه أحيانا، فيصبح المضطرب سجين اضطراب يفقده الرغبة في الحياة، الشيء الذي يغفله العديد من الناس بتركيزهم على علاج الأمراض العضوية وغض الطرف عن الاضطرابات النفسية ولو أدركوا مدى ترابط الأمراض العضوية بالاضطرابات النفسية التي عادة ما تكون سببا للأولى لما غفلوا عن الاهتمام بها.

 

العقل إذا اسم يطلق على عملية التفاعل التي تحدث بين النفس والروح وهي عملية التفكير، لذلك يعتبر العامل المنظم للشخصية، فهو ظاهرة مزاجية متغيرة تعتمد أساسا على المثير الذي يتلقاه من البيئة الخارجية أو الداخلية

فالاضطرابات النفسية ليست بالضرورة عقلية فالأمراض العقلية قد تكون نتيجة اضطرابات نفسية ولكنها خلل عضوي في وظيفة الدماغ أما الاضطرابات النفسية فهي خلل في البنية النفسية ومع ذكر العقل لا بد من رفع اللبس عن مفهوم هذا الأخير، حيث نجد خلطا بين مفهوم العقل والمخ والدماغ فالعديد يعتبرون العقل ذلك العضو الموجود داخل جمجمة الرأس بينما العقل هو التعبير الأصح للوظيفة أو العملية التي ليس لها وجود محدد في حد ذاتها، فالعقل هو المصطلح الذي يستخدم لوصف نظام حركة الخلايا والخلايا العصبية، ونقط الاشتباك العصبي والعمليات الكيميائية التي تحدث للمخ.

 

هذا المخ هو ذلك العضو المرئي الموجود بجمجمة الرأس، فالعقل هنا هو التعبير الأدق لعمليات معالجة المعلومات ونشاطها في المخ أو الدماغ ذلك أنهما وصفين لعضو واحد، فالعقل إذا اسم يطلق على عملية التفاعل التي تحدث بين النفس والروح وهي عملية التفكير، لذلك يعتبر العامل المنظم للشخصية، فهو ظاهرة مزاجية متغيرة تعتمد أساسا على المثير الذي يتلقاه من البيئة الخارجية أو الداخلية.

 

والذي يجعل من هذا العقل أمرا معقدا يصعب الإحاطة بجميع خباياه هو كونه عملية وليس عضوا، هذه العملية التي تثير التفكير داخلنا والتي من أجل أن تحصل عملية التفكير هذه وجب انتقال الأطباع إلى النفس، حيث نستقبله نحن عبر أحد حواسنا وتنتقل المعلومات مباشرة إلى الروح الداخلية وحتى نفهم كيف يحدث ذلك علينا أن نتقبل النظرية التي تقول أننا لا نرى أو نسمع أو نشم أو نتذوق أو نلمس الأشياء ولكن كل شيء في هذا الكون ما هو إلا ذبذبة أو موجة طويلة يسترجعها العقل كشيء محدد أو كإحساس معين.

 

فعلى سبيل المثال، حين تنظر إلى كأس ماء، تقوم روحك بتوصيل ذلك الانطباع بأحد النماذج الموجودة لديها في بنك المعلومات) الذاكرة (الذي تم تجميع محتوياته عبر التعلم والتنشئة الاجتماعية هذا البنك يعطي إشارة إلى النفس والتي تكون عندئذ قادرة على تفسير تلك الذبذبة الخاصة أو الموجة الطويلة ثم تضعها في مجال إحساسك الإدراكي أن ما تراه هو كأس ماء لا مذاق له قبل أن تتذوقه.

 

الذات البشرية هي أصعب شيء لم يستطع البشر فك شفرته بشكل كلي منذ ملايير السنين، فتجدهم اخترقوا الفضاء طولا وعرضا وفسروا نظام عمل الكون وعملياته وطوروا العلم لدرجة فهم كيفية عيش الإنسان البدائي في العصر الحجري لكنهم عجزوا عن فهم أنفسهم

إذا لا دور لحاسة الذوق هنا فانطباعنا المسبق تكلف بتحديد ماهية الكأس، وذلك التفاعل الذي يحدث بين الوعي وما وراء الوعي هو تفاعل نسميه بالتفكير، هذه العملية معقدة جدا كما ترون بل إنها تستفز عقولكم، وأنتم في هذه الأثناء تحاولون فهم ما سبق وذكرته رجوعا لبنك معلوماتكم، فهل تدركون أنكم الآن تقومون بعملية التفكير، أجل لا تستغربوا من هذا فالأمر أكثر تعقيدا مما تعتقدون.

 

فالذات البشرية هي أصعب شيء لم يستطع البشر فك شفرته بشكل كلي منذ ملايير السنين، فتجدهم اخترقوا الفضاء طولا وعرضا وفسروا نظام عمل الكون وعملياته وطوروا العلم لدرجة فهم كيفية عيش الإنسان البدائي في العصر الحجري لكنهم عجزوا عن فهم أنفسهم، قد لا يروق لكم سماع هذا لكن الإنسان ضعيف أمام فهم نفسه وجاهل كثيرا بماهيتها، رغم ابتكار آلات إشعاعية تحاول إعطاء تخطيط لأعضاء الجسد ومنهم العقل، هذا الابتكار الذي اخترعه عقله في محاولة لفهم عقله عجز عن الإحاطة الشاملة بمكونات الجسم البشري.

 

ورغم أن هذه الاختراعات الطبية استطاعت إعطاء تشخيص للأمراض العضوية إلا أنها ومن المستحيل أن تشخص الاضطرابات النفسية لذلك هو يحاول فهم عملياته النفسية عن طريق اختبارات نفسية وذلك في محاولة منه للوعي بجميع وظائف الجسد العضوية والنفسية وإيجاد مكامن الضعف النفسي وعلاجه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– باتريك لومير، 2011، علم النفس المعرفي المرجعية السيكولوجية للكفايات وبيداغوجيا الادماج، ترجمة وتعريب عبد الكريم غريب.

– سيغموند فرويد، 1915/1917، مدخل إلى التحليل النفسي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.