شعار قسم مدونات

هابيل وقابيل.. وفرويد

blogs رجل يقف وسط الزروع فى ضوء الليل
هناك أناس لا تتحقق سعادتهم إلا بتعاسة أقرانهم والحط من مكانة نظرائهم، وتلك مشاعر قديمة، فطرت عليها النفس البشرية، فما كان من قابيل إلا أن يقتل هابيل حسداً وعجزاً. ونسل قابيل ورث كل شيء حتى المشاعر، لتبقى مغارة الدم بجبل قاسيون شاهدة عن أول جريمة قتل، فضحتها أحاسيس القاتل، وذلك أنموذج مصغر لما وقع من الشيطان مع آدم، غيرة وحسد حب وتسامي كراهية وبغض؛ كلها تدور في فلك المشاعر. 
اندفاعاتنا اللاعقلانية عادة ما تكون غرائزية، بيد أنها أصدق الأفعال وأوثق ما نستشعره في دواخلنا، تلك الاندفاعات الغرائزية معبرة تماما عمّا تكنه القلوب وتضمره الصدور، فهي فاضحة حد الإباحة الصارخة، متجردة من كل الحسابات. تظهر تلك الاندفاعات أحاسيس مدثرة، ومشاعر مكنونة متسربلة بالحياء ادعاء، مخافة قدح الناس، أو تكيفاً مع المفروضات الأخلاقية المحيطة، وهذا ما سماه فرويد بـالأنا المثالي "والضمير بحسب فرويد هو جزءٌ من الأنا المثالي، لكن هذه الأنا تنذرنا عندما تكون لدينا رغبات سيئة أو غير مقبولة وهو بذلك يركز على واقع أن الرغبات المنحرفة أو الضالة تكون كامنة في مرحلة الطفولة، مستنتجاً أن وعي الإنسان لا يشكل إلا جزءا صغيرا من النفس البشرية".

الإنسان حر مطلق الحرية في السيطرة على غرائزه وتحكيم أخلاقياته، ذلك أن مشاعره الكامنة في دواخل سريرته هي حرة من كل القيود، وأنت وحدك من بيدك أن تحب أو تكره تحسد أو تود تحقد أو تصافي.

وبالرغم من كم الطبقات النفسية المتتالية المتعددة التي تحاول بها عبثاً إخفاء حقيقة مشاعرك، إلا أن فلتات لسانك ستبين عما خبأته سترةً، وستسيل عن بحرٍ من الجليد، الظاهر منه قليل من هابيل والمطموس حجباً كثير من قابيل وإن ادعيت غير ذلك. وبعيداً عن هذه الأعماق حالكة السواد، بعيداً عن اصطراع الرغبات وسعار الأحقاد، هناك منطقة روحية تعشعش فيها المحبة، انتصر من خلالها هابيل على مشاعره الغرائزية، ومات من أجل مبدأ وقيمة، متسامياً بوجدانه الذي لم تخدشه الأحقاد.

وما الحياة إلا مفترق طرق قائم على تحديات أخلاقية، جوهرها حرية الاختيار "اختيارك أنت" ومعرفة أي الطرق تسلك عادة ما تكون متصلة بجملة عوامل "عظمة نفسك، وجودة معدنك، وصفاء روحك، ونزاهة أخلاقك" وتلك أساسات لا ترسخ إلا على سابق تدريب طويل، واستعداد قديم، وجاهزية مسبقة، وجبلة مفطورة على الحب، فأحسن ما استطعت إلى نفسك والناس، وتصالح مع نقائصك وإن كانت غريزية، ولا تتوحش طريق الصواب المملوء بالمصاعب والأشواك. والخيارات الأخلاقية صعبة، واصطناع المعروف لا ينشأ عفوا، وصفاء النية لا تحصل بالأماني، والحب لا يثبت في القلب حتى يكون نمط حياة؛ "فليس التكحُّــل في العينيـن كالكَحَــــلِ".

والإنسان حر مطلق الحرية في السيطرة على غرائزه وتحكيم أخلاقياته، ذلك أن مشاعره الكامنة في دواخل سريرته هي حرة من كل القيود، وأنت وحدك من بيدك أن تحب أو تكره تحسد أو تود تحقد أو تصافي، "والسلطنة الحقيقية أن تكسب قيراط محبة في دولة القلوب كل يوم" وذلك لا يكون إلا لمحب صافٍ فصَفَى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.