شعار قسم مدونات

الإسلاميون مواقف ومآلات

مدونات - مرسي والسيسي
وقع الكثير من أبناء التيار الإسلامي في حيرة من أمرهم بعد الانقلاب العسكري والتنكيل الواسع الذي ألمّ بهم إثر ذلك، الانقلاب الذي لم يتعرضوا له منذ انقلاب 23 يوليوعام 1952 على يد عبدالناصر من قتل خارج إطار القانون وحملات الاعتقالات الواسعة والتعذيب والمحاكمات العسكرية ومصادرة الأموال والحرمان حتى من أبسط حقوقهم المدنية حتى طال القصر والنساء.
 
بعد ثورة 25 يناير انخرط الكثير من أبناء التيار الإسلامي في العملية السياسية باختلاف مشاربهم عن طريق الأحزاب الإسلامية التي تم الإعلان عنها بعد رحيل مبارك مثل حزب الحرية والعدالة وحزب البناء والتنمية وحزب الوسط والفضيلة وغيره من الأحزاب الإسلامية متخذين المسار الديمقراطي للوصول للسلطة لتنفيذ رؤيتهم الإصلاحية بعد أن كان البعض من التيار الإسلامي يعدون الديمقراطية والأحزاب السياسية والانتخابات من الموبقات، وهذا كان أول انتصار للثورة المصرية بدمج هذا التيار في العملية السياسية بعيدا عن دوائر العنف.

ولكن لم يمهل العسكر الإسلاميين وغيرهم من التيارات الوطنية الثورية وقاموا بوأد التجربة الديمقراطية في مهدها معلنين عن بداية حقبة سوداء في تاريخ مصر من الديكتاتورية والتنكيل الواسع لكل من شارك في ثورة 25 يناير الذي حصد منه الإسلاميون النصيب الأكبر، مخلفا أوضاعا كارثية بكل المقاييس، وعلى إثر ذلك أصيب الكثير من الإسلاميين بحالة من الصدمة والإحباط والتوهان الذي لا يعرف من وقع فيها كيف يتصرف وفي أي الدروب يسير، تتقاذفهم الآراء هنا وهناك، ومن ثم تتسم تحركاتهم برد فعل عشوائي غير مدروس في غياب للعقل وللتدبيرودرساً للمائلات إلا قليل منهم.

قد لا يرى بعض الأفراد والمجموعات حاجة حركات التحرر إلى تخطيط واسع بعيد الأمد ويكون لديهم بالمقابل اعتقاد ساذج بأنهم إذا تمسكوا بهدفهم بقوة وشدة لفترة طويلة كافية فإنه سينجح بطريقة ما.

وانقسمت مواقف التيار الإسلامي إلى ثلاثة مواقف رئيسية سنقوم بمناقشتها ونرى أي من تلك المواقف يصب في مصلحة استعادة الأمة لسيادتها وإقامة حكم ديمقراطي رشيد، وأي منها يرسخ للحكم العسكري الشمولي الموجود حاليا وفق ثلاث قواعد رئيسية: 
القاعدة الأولى: أن يكون هذا الخيار يؤدي إلى حقن أكبر قدر من الدماء. 
القاعدة الثانية: يمكننا من إقامة نظام ديمقراطي تشاوري وليس إعادة إنتاج نظام ديكتاتوري مرة أخرى.
القاعدة الثالثة: أن يتمتع بتأييد أغلبية الشعب المصري.

وثلاث مواقف:

الموقف الأول: الاستسلام والاعتزال.
الموقف الثاني: هو الاتجاه للعنف.
الموقف الثالث: هو المسار السياسي السلمي.

بالنسبة للموقف الأول الاستسلام والاعتزال:
يرتكز الداعين لهذا الموقف أن الشعب المصري لا يستحق الثورة ولا الحرية، ويصفون الشعب المصري بأنهم عبيد للبيادة وغيره من الهجاء لعموم الشعب، ونراهم يطلون علينا في كل كارثة ونازلة يسببها النظام بشماتة فيما آلت إليه الأمور، ويرون في تمسكهم بمبادئهم وروئيتهم انتصارا في حد ذاتة دون أي تخطيط للمستقبل وأخذ بالأسباب.

يقول جين شارب في كتابه من الديكتاتورية إلى الديمقراطية: "قد لا يرى بعض الأفراد والمجموعات حاجة حركات التحرر إلى تخطيط واسع بعيد الأمد ويكون لديهم بالمقابل اعتقاد ساذج بأنهم إذا تمسكوا بهدفهم بقوة وشدة لفترة طويلة كافية فإنه سينجح بطريقة ما، ويفترض الآخرون أن ثباتهم على مبادئهم ومثالياتهم في وجة الصعوبات يعني أنهم يبذلون كل ما يستطيعون القيام به، إن الزواج من أو التمسك بالأهداف الإنسانية والإخلاص إلى المثاليات أمر رائع، لكنه غير مناسب أبداً للعمل للقضاء على الديكتاتورية وتحقيق الحرية".

في أفضل الظروف حتى لو نجحت هذه الثورة ستعيد إنتاج نظام ديكتاتوري مرة أخرى لأن الهدف الأساسي الذي خرجت من أجله الجماهير هو إسقاط هذا الحاكم بسبب ممارساته القمعية وفشله في إدارة البلاد.

ووفقا للقواعد الثلاثة فإن هذا الموقف لن يمكن من حقن الدماء لأن النظام سيستمر في بطشه وإجرامه وربما يقوم بتصفيات جسدية للكثير من المعتقلين وكل من يعترض النظام بشكل مباشر أو غير مباشر، 
ومع احتكار الشعب وهجائه والاستعلاء عليه سيصنع بينك وبين أفراده حاجزا لن يمكنك يوما ما بإقناعهم بمشروعك الإصلاحي الذي تدعي تبنيه، ولن يمكن من إقامة أي نظام ديمقراطي بل سيؤدي إلى نتيجتين لا ثالث لهما.

– النتيجة الأولى: هي استمرار النظام الحالي مع بعض التحسينات البسيطة في الاقتصاد وبعض الدعم للفقراء والطبقة المتوسطة، وهذا ما لا أتوقعه، لأن الوضع الاقتصادي ينحدر يوما بعد يوم منذ انقلاب 30 يونيو2013 وتفشي الفساد في كل مؤسسات الدولة ورفع الدعم وفرض الكثير من الضرائب.

– النتيجة الثانية: احتمال كبير حدوث ثورة عفوية نتيجة الانهيارالاقتصادي والفشل الأمني، لكنها ثورة بدون قيادة وبدون مطالب موحدة ومحددة، وتنظيم جيد تترك نفسها للظروف وتكون ردة فعل عن ممارسات النظام وفشله، ويكون هدفها الأساسي هو إسقاط الديكتاتور، وهذه الثورة العفوية ربما تدخل البلاد في دائرة كبيرة من العنف في غياب كبير للعقل والتدبير، والضبط، وفي أفضل الظروف حتى لو نجحت هذه الثورة ستعيد إنتاج نظام ديكتاتوري مرة أخرى لأن الهدف الأساسي الذي خرجت من أجله الجماهير هو إسقاط هذا الحاكم بسبب ممارساته القمعية وفشله في إدارة البلاد، فعندما يسقط النظام تنفض هذه الجماهير، مما يعطي فرصة لعودة النظام القديم ولكن بحلة جديدة. والله أعلم.
يتبع…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.