شعار قسم مدونات

الريف المغربي لن يهدأ

مدونات - حراك الريف
كنت أجد حرجا في أن أكتب عما يحدث في الريف المغربي وأنا الذي لم أزر المنطقة منذ مقتل بائع السمك محسن فكري، لذلك كان لا بد أن أزورها مرة أخرى حتى أفهم ما وقع وما يقع وما سيقع، كان لا بد أن أزور الحسيمة ونواحيها لأفهم كيف ينظر السكان المحليون لهذا الحراك الذي نُسب إليهم. أخبرني بعض الأصدقاء قبل السفر أن الأمن قد لا يسمح لي بدخول مدينة الحسيمة لأني أحمل بطاقة هوية بعنوان مدينة فاس، لكني كنت عازما على السفر ولا مجال لتأجيل الأمر. 
الطريق نحو المدينة كان عاديا، لا شيء يوحي أننا نتجه نحو مدينة "معسكرة"، إلا أنه وقبل 50 كلم من المدينة بدأت المشاهد تتغير.. شاحنات وحافلات وسيارات الأمن منتشرة بالعشرات على جنبات الطريق، رجال الأمن منتشرون بشكل تسلسلي على الجبال، وحواجز أمنية وسط الطريق.. حينها اعتقدت أنهم فعلا لن يسمحوا لي بدخول المدينة بمجرد ما إن يتحققوا من بطاقة هويتي، غير أنه لا أحد استوقفنا ولا أحد طلب منا بطاقات هوياتنا. دخلت المدينة بشكل عادي كما أدخلها عند كل زيارة.

الحسيمة مدينة صغيرة جدا، لذلك التنقل فيها سهل وهو ما ساعدني على استطلاع حالة أزقتها وشوارعها في وقت قصير. لا شيء مختلف في المدينة ما عدا أساطيل الأمن الموزعة في كل مليمتر من أرجائها. أمام محكمة المدينة تبدو الحركة غير عادية، عشرات الأسر تنتظر وتترقب من يزودهم بخبر أو شبه خبر عن فلذات أكبادهم المعتقلين والمختطفين، ينتظرون لساعات طويلة حتى إن بعضهم أكدوا لي أنهم يبيتون في المكان ولمدة تجاوزت الشهر.

أما عن توقعات أهل الحسيمة، فهم متيقنون أن الدولة ستستمر في نهج سياستها الأمنية من تعنيف واعتقال إلا أن ذلك لن يغير شيئا من إيمانهم بقضيتهم وإيمانهم بأن الحق ينتزع ولا يعطى، فالريف -حسبهم- ولَّاد للمناضلين الأحرار.

على يمين المحكمة توجد الساحة الرئيسية في المدينة وبها نُظمت أغلب الوقفات الاحتجاجية منذ مقتل محسن فكري إلى اليوم، هناك التقيت بمجموعة من الشباب الذين شاركوا في جميع المحطات الاحتجاجية السابقة، يعرفون الزفزافي ويعرفون احمجيق ويعرفون سيليا، يعرفون كل رموز الحراك الذين يوجدون الآن في الزنازين. في دردشتي القصيرة معهم تفاجأت أولا برقي حوارهم وثانيا باستعدادهم التضحية من أجل قضيتهم ومن أجل قناعاتهم ومبادئهم..

حاولت أن أستفزهم بأن ادعيت أن الزفزافي ورفاقه مجرد "أراجيز" خلقهم المخزن من أجل احتواء مؤامرة كبيرة وخطيرة كانت تُدبر في الخفاء لزعزعة استقرار المغرب، إلا أن الذي قلته لم يستفزهم مطلقا، مؤكدين لي أنهم اعتادوا هكذا ادعاءات التي كان أسوأها اتهام أحزاب الأغلبية لهم بالانفصال.. وفي سؤالي لهم عما ينتظرونه من الحكومة وكيف يتوقعون أن ينتهي حراكهم، أكدوا لي أنهم لا ينتظرون شيئا من هذه الحكومة لأن الحكومات في المغرب عاجزة وستظل كذلك مهما تغيرت أيديولوجياتها، ومهما تغيرت أسماء الزعماء لأن الحكومة الحقيقية هي حكومة الظل أو بعبارة أصح هي "محيط القصر"، أما عن توقعاتهم فهم متيقنين أن الدولة ستستمر في نهج سياستها الأمنية من تعنيف واعتقال إلا أن ذلك لن يغير شيئا من إيمانهم بقضيتهم وإيمانهم بأن الحق ينتزع ولا يعطى، فالريف -حسبهم- ولَّاد للمناضلين الأحرار.

بعد أن أنهيت زيارتي لمدينة الحسيمة، زرت أيضا المدينة المجاورة "إمزورن".. والذي استخلصته من زيارتي عموما هو أن حراك الريف لا علاقة له بما هو سياسي وأن القضية في أصلها كانت اجتماعية ثم انضاف لها الجانب الحقوقي بعد الاعتقالات التي نفذتها الدولة في حق شباب يؤمنون بإمكانية إحداث التغيير والإصلاح في ظل النظام الملكي الذي لا نقاش فيه بالنسبة لهم.. استخلصت أيضا أن الحراك لن يتوقف بإطلاق سراح المعتقلين بل لا بد من الاستجابة الفورية للمطالب الاجتماعية التي كانت سببا في اندلاع الاحتجاجات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.