شعار قسم مدونات

هجرة الأنبياء وهجرة أهل مصر

blogs مصر

تضيق بنا الأوطان وتجفو علينا رغم حضنها الفسيح.. وما أوسعك يا مِصر! فيتسع لنا قارب فوق ماء البحر ييمم شطره نحو المجهول، لا تعرف وجهته ولا منتهاه، واحد يرسو على الشطِ فتكتب لراكبيه النجاة، والآخر يغوص في قاع البحر فيصبح راكبيه في خبرِ كانَ وأخواتها، ويمسون وجبة شهية لصنوف الأسماك التي لو علمت السبب الذي جعلنا نركب البحرَ طمعًا في النجاةِ لترفقت بحالنا. 

كل أنبياء الله هاجروا حينما ضاقت عليهم السبل، كانت قريش تفعل الأفاعيل في الخفاء وتخطُ المؤامرات سرًّا – في دار الندوة- لقتل النبي – صلى الله عليه وسلم- أو إخراجه من أحب البلاد إلى قلبه والرأي الثالث سجنه وإحكام وثاقه، ولكن أذنابَ قريش اليوم يعملونَ في وضح النهارِ علنًا لا يخافون من أحد، ولا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمةً، ضيّقوا علينا البرَّ والبحرَ – ألا ضيق الله عليهم قبورهم- والتحليق في جوِّ السماء فيبقى لنا هجرة غير شرعية – في شرعهم هم غير شرعية- تنتشلنا من حضيض الظلم إلى فسحة العدل ولو ثمنها التضحية بالنفس. 

التفكير في وضع مصر الحالي يطيّر أبراج العقل كلها! لا يبقي فيها ولا يذر خلية واحدة تجعلنا نقوى على التفكير في أي شيءٍ آخر. في "مصر" كل شيء يدعي للهجرة غير الشرعية، التعليم، العمل، الحياة الراكدة المصابة بالجمود

القائد العظيم من يعيش المعاناة قبل شعبه، وأصحابه ورعيته، لا يعيش في رغد من العيش، ويخلق حاجزًا فلا يلتفت لرعيته ولا ينظر لحالهم، كما يفعل طاغية اليوم معنا، – وأغلب الحكام العرب يندرجون تحت هذا النمط- يعيشون بمنعزلٍ تام صم، بكم، لا يسمعون لشكوانا ولا يريدون الإفاقة؛ التي صارت كالغمامة على أكثرنا ولا تنجلي تلك الغمة إلا بزوال عروش من كانوا سببًا فيما نحن فيه الآن وما آلت إليه أحوالنا. 

قلما تجد شابا مصريا ترك البلاد طمعا في العيش الرغيد في الدول الأجنبية الأخرى، إنما يكون تاركها طمعًا في الأمن والأمان فارًّا من المطاردة الأمنية والتضيقات التي تفرضها السلطات الملعونة. أو قضية لفقت إليه أو حكم قضائي لا يعلم من أين له به، أو بحثًا عن المال الذي هو لو متوفر حقًّا كما يدعون في مصر لما فكر بالسفر أصلا فغربة الأوطان موحشة. 

التفكير في وضع مصر الحالي يطيّر أبراج العقل كلها! لا يبقي فيها ولا يذر خلية واحدة تجعلنا نقوى على التفكير في أي شيءٍ آخر. في "مصر" كل شيء يدعي للهجرة غير الشرعية، التعليم، العمل، الحياة الراكدة المصابة بالجمود، ناهيك بلعنة الغلاء التي أصابتنا من بعد لعنة الدم والرقص على الأشلاء فرحا وحبورا بالقضاء على ما يعتبرونهم إرهاب! 

ما كثرت الجرائم والسرقة بوضوح إلا بعد ما جَهر الولاة بطمعهم في المال، وتقطيعنا كسجرٍ يصلون به إلى كراسيهم، ومناصب دنيوية زائلة لا محالة

نبيتُ ونصبح على أخبار لا تسر العدو قبل الحبيب، بالأمس قتلى إثر المطاردات من بعد إخفاء قسري من شرق الوطن إلى غربه وفي العالم الموازي على حدود ما يسمونه الوطن أيضًا قتلى لأناس فروا هربا من الجوع تتلقفهم الفلاة فيمسون جثثًا ممرغة في الرمال، سبحانك يا الله خرجوا من قبر كبير إلى قبرٍ لا نجاة منه أبدا لعل ما نحن فيه يشفع لهم. 

العدل أساس هذا الدين وصلبه الراسخ، فمسألة العدالة الاجتماعية وتقليص الهوة بين الفقراء والاغنياء أمر يحتاج ما يحتاج إلى تطبيقه، ومن ذاق شظف العيش وقسوته يعلم تمامًا ما معنى أي يستأثر علاة القوم على كل شيء، ومنح الفقراء الفتات الذي هو لا شيء، بالكاد يمنحهم كفاف يومهم، وما كثرت الجرائم والسرقة بوضوح إلا بعد ما جَهر الولاة بطمعهم في المال، وتقطيعنا كسجرٍ يصلون به إلى كراسيهم، ومناصب دنيوية زائلة لا محالة. 

"وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ".. سعي دؤوب بخطى ثابتة لاستئصال كل ما يعقل الأمر ويدرك مجريات الأمور ويفهم سر الاستخدام وتسخير الوسائل، وما سنقع فيه بعد هذه المهزلة الدائرة على قدم وساق، ولكن.. "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.