شعار قسم مدونات

سوريون في فوّهة البندقية

blogs سوريا

إنه لمن المؤسف القول بأن الشعب السوري لا يزال يكابد كارثة لم يشهدها العصر من قبل، إنها الوغى التي وضعت سندانها في ظهر شعبٍ أبى إلا أن يكون صفعة في وجه الطغيان والظلم. لقد كان هذا الشعب الأبي عالق بين خيارين لا ثالث بينهما، إما أن يشرب كأس الذل كما آباؤه السابقين، أو أن يحمل روحه على راحتيه ويضيع في غياهب هذه الحرب التي وأدت الأخضر واليابس.

إن المضي في ظلمات الرحى الطاحنة كان جزاؤهم حين خرجوا يهتفون للحرية في منتصف آذار عام 2011، فمنذ ذلك العام وهم يذوقون أبشع انواع القتل، والتنكيل، والتعذيب، والتهجير، والاعتقال القسري في غياهب آل الأسد التي يُمارس فيها أفظع الجرائم بحق الإنسانية.

ليست شخبطة الطفل حمزة الخطيب على جدار مدرسته هي وحدها التي أشعلت غلَّ آل الأسد على الشعب السوري، إن هذا الحقد والغلّ وليد أعوام تليده منذ أن تسنّمت هذه العائلة حكم البلاد، دعونا نعود للوراء ونستعيد حدث واحد على الأقل، وهو مذبحة حماة التي قادها رفعت الأسد عام 1982 وراح ضحيتها ما يقارب 40.000 سوري حسب تقارير الأمم المتحدة، والتي جهّز فيها الجيش، والقوات العربية الجوية، والمخابرات تجهيزاً تاماً لإبادة قوات المعارضة، وقد صنّفت التقارير تلك المجزرة على أنها الأقسى في تاريخ سورية الحديث.

ليست شخبطة الطفل حمزة الخطيب على جدار مدرسته هي وحدها التي أشعلت غلَّ آل الأسد على الشعب السوري، إن هذا الحقد والغلّ وليد أعوام تليده منذ أن تسنّمت هذه العائلة حكم البلاد

حقيقة، لم تكن مجزرة حماة هي الأخيرة في تاريخ سورية، بل أنني أكاد أجزم بأنها نقطة من بحر المجزرة التي يرتكبها ابن شقيقه بشار حافظ الأسد، فقد بلغ عدد الوفيات منذ انطلاق الثورة وحتى منتصف هذا العام ما ينيف عن 500 ألف سوري حسب المركز السوري لبحوث السياسات، أما عدد اللاجئين جراء بشاعة ما يحدث في سورية فقد بلغ 7 مليون لاجئ، وحوالي 5 مليون طالب، وقد بلغ عدد المفقودين والمعتقلين ما يقارب مائتي ألف وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

لم يكن في الحسبان يوماً أن يواجه الشعب السوري كارثة لم يسجّل التاريخ مثلها من قبل، وإن المتفكّر بما يحدث اليوم من هدر للدماء، واستباحة الأرواح، وإتهام الأبرياء بما ليس فيهم، والاعتقال التعسّفي؛ ذلك من شأنه ان يجعل المتفكّر يشعر وكأنه يتابع دراما لا تمسُّ الواقع بشيء.

وقد يلاحظ الناشطون السياسيون، والمتابعون لآخر تطورات الأوضاع الميدانية بأن الرحى لا تزال على اشدّها، تطحن الطفل والأم والحجر والشجر وكل من يستنشق عجاجها هناك، وبأن نيرون العصر لم يرتوي من دماء الشعب بعد، إنه يتلذذ بدماؤهم الطاهرة ولسان حاله يقول: ستبقون في فوهة البندقية رغماً عن أنوفكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.