شعار قسم مدونات

لكي نتمكن من النوم ليلا

blogs - حرب سوريا
لقد مرت أكثر من ست سنوات على حزنك المتواصل، على تدمير مدنك العريقة، على تعذيب وتهجير شعبك وتحويله إلى لاجئين عند الموانئ بين النجاة والغرق. سوريا يا وجع الذاكرة يا حلم النائم المستيقظ برجوع أرض الحضارة والأدب.  سامحينا لتوقفنا عن عشقنا الدمشقي، سامحينا عندما وقفنا مكتوفي الأيدي وأنت تنزفين، سامحينا لأننا لم نحسن احتضانك وأنت تسقطين، أنت التي اعتدت على أن تروينا الحب والدفء، لم نكن لك ندا عندما احتجت لنا، وعندما امتلأت شوارعنا بأطفالك لم يكن بمقدورنا إلا أن نربت على رؤوسهم ونبتسم في وجوههم التي تبحث عن طفولتها الضائعة في وسط كل هذا. أتدرين يا سوريا أنني أراك في عيونهم الزرقاء البهية، أرى أرضك الخضراء الجميلة ودروبك الأبية، سوريا صدقيني نحن نبكيك ونبكينا.
لا! نحن لم نتوقف عن الاشتياق إليك لا زلنا نغنيك، لكن ربما توقفنا عن الاستماع إليك، لقد تغيرت لغتك، أصبحت تتحدثين بشهداء وليس بكلمات، شهداء حاضرين ليسوا بغائبين، لغتك هي التي تفوقت علينا ولم نعد قادرين على مواكبتها. ما زلت أنت الأولى في كل شيء، ما زلنا نتبع خطاك في كل شيء لكننا أضفناك إلى قائمة "القضايا المستعصية" إلى قائمة الدول التي لم نستطع إسعافها.

يوجد الكثير من المبررات التي يمكن أن نستخدمها لنبرر كيف تخلينا عن سوريا في هذه الحرب الدموية التي لاقى حتفه فيها ما يزيد عن مئتين وتسعون ألف سوري، هذه الحرب التي دمرت كل ما كان يقف في طريقها.

رفقا بنا يا سوريا، ماذا كنت تتوقعين منا نحن كعرب منقسمين ومنفصلين؟ نحن كشعوب مسلوبة الإرادة والحضور. كيف سوف نسعفك يا سوريا؟ نحن الذين لا نحتمل ما نراه في أخبار الثامنة من جرائم ترتكب بحقك، نحن الذين لا نتخيل أن يحصل معنا ما يحصل مع أبطالك، وعندما نسمع قصص الذين لجؤوا إلينا يتملكنا الخوف وننسى تعريفنا للحياة. صدقيني لقد حاولنا لكن سفينة "الأمن والأمان" لا تتسع للجميع ونحن خفنا أن نغرق سوية.

لا تنسي أنك أنت التي اخترت ظل الحق والحرية، وقد كنت متسرعة في هذا القرار، فكيف لحياة مثل هذه أن تحتوي مثل هذا القرار، ربما في حياة أخرى، لا تستطعي لومنا، دوامة الحياة هذه هي أكبر منا وهي التي تحددنا وتحدد مصيرنا. هذه ليست انهزامية لكن هذا هو واقعنا ونحن مدركون تماما لهذا الواقع، كان يجب عليك أن تتخلي عن تلك الأحلام، أرض الحرية بعيدة جدا حتى نكاد لا نراها.

يوجد الكثير من المبررات التي يمكن أن نستخدمها لنبرر كيف تخلينا عن سوريا في هذه الحرب الدموية التي لاقى حتفه فيها ما يزيد عن مئتين وتسعون ألف سوري، هذه الحرب التي دمرت كل ما كان يقف في طريقها، هذه الحرب التي مارسوا فيها أبشع وسائل القتل والتعذيب التي كانت وما زالت منافية لأي قيم إنسانية. هذه الحرب التي خالفوا فيها جميع القوانين والأعراف الدولية، لكن هذ المبررات هي فقط لكي نتمكن من النوم ليلا دون أن يبقينا ضميرنا الحاضر الغائب مستيقظين نادمين على كل لحظة تخلينا فيها عن سوريا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.