شعار قسم مدونات

مشكلة الترجمة.. هل قرأنا دوستويفسكي حقّاً؟

مدونات - دوستويفسكي
هل يجب علينا أن نتوقف عن قراءة ترجمات الدكتور سامي الدروبي لأعمال دوستويفسكي؟ هل يمكننا أن نقول بأن الذين قرؤوا الترجمة العربية الكاملة لأعمال دوستويفسكي لم يقرؤوا دوستويفسكي الحقيقي؟
إن ترجمة العمل الأدبي، كما هو معلوم، لا بدّ أن تقودَ إلى أن يفقد العملُ جزءاً هاماً من رونقِهِ وروحِ كاتبهِ الأصلي فيه. فالعمَل المترجم ليس هو بالضبط العَمل الأصلي. ولذلك، فإن الذين يقرؤون الأعمال المترجمة لا يمكنهُم أن يطمئنّوا إلى أنهم قرؤوا العَمَل كما كُتِبَ في الأصل. هذا بخصوص الأعمال التي تُرجمَت في مرحلة واحدة من اللغة الأصلية، كالأعمال التي تتم ترجمتها بشكل مباشر من الإنجليزية إلى العربية، أو من الفرنسية إلى الإنجليزية، وهكذا. فما بالكُم بالأعمال الأدبية التي تمرّ بأكثر من مرحلة ترجمة؟

فعلى سبيل المثال، إن درَسنا ترجمة الدكتور سامي الدروبي لأعمال دوستويفسكي الأدبية، نجِد أنها ليست ترجمة مباشرة لدوستويفسكي، بل هي ترجمة لإحدى ترجمات دوستويفسكي! فكما هو معلوم، فإن الدروبي قد ترجم دوستويفسكي عن الفرنسية (اللغة الوحيدة التي كان يُجيدها) ولم يُترجمهُ مباشرةً عن الروسية. بالتالي، فقد خسِر النصّ الروسي الكثير حتى وصل إلى شكله المُتَرجَم النهائي – العربي. وهُنا يطرح السؤال نفسه: هل يمكننا اعتبار أن الذين قرؤوا دوستويفسكي بالعربية، قد قرؤوه فعلاً بكامل قوّته ورونقه؟

أعلم أن النص الإنجليزي، رغم دقّته وعُمقِهِ، منقوص وفاقد لجزء مهم من روح دوستويفسكي. لذلك، أعتقد بأن لا يمكن لأي ترجمة، مهما كانت دقيقة، أن تغني غناء النص الأصلي.

أشكّ جداً في ذلك. ويدعمُ شكّي هذا مقالٌ جيّد للأستاذ صادق الطائي، وضّح فيه أخطاء ترجمة الدروبي وعدم دقّتها (خاصّة في ترجمة رواية مذكّرات من البيت الميّت). والجدير بالذكر أيضاً أن المُترجِم والشاعر المغربي الأستاذ إدريس الملياني قد ترجم رواية مذكرات من البيت الميت بشكل مباشر عن النص الروسي الأصلي. وقد نوّه في مقدّمته لأخطاء ترجمة الدروبي، بدءاً من العنوان الخاطىء لترجمة الدروبي (مذكرات من منزل الأموات) وانتهاءً بالحذف غير المبرر الذي قام به الدروبي للإهداء والحواشي والهوامش التي كتبها دوستويفسكي في النصّ الأصلي. إضافة إلى خطأ الدروبي في ترجمة بعض المفردات الروسية (حيث خلط بينها وبين مفردات فرنسية لها معنى مختلف تماماً).

كل ذلك يجعلنا نعيد النظر في ترجمات الدروبي لدوستويفسكي، ونقف متريثين قبل أن نقرأ المزيد من هذه الترجمات. كما أن هذه الأخطاء – التي ربّما تكون عن غير قصد من المترجم – لا تقتصر فقط على الترجمات العربية، بل هي موجودة في كل الترجمات الأخرى: إنجليزية، وفرنسية، وغيرها. فعلى الرغم من أنني شخصياً ألاحظ فرقاً كبيراً بين الترجمة الإنجليزية لدوستويفسكي، التي قام بترجمتها اثنان من الأدباء الروس المتخصصين في أدب دوستويفسكي، وبين الترجمة العربية للترجمة الفرنسية لدوستويفسكي التي قام بها الدروبي، وأجِد في الترجمة الإنجليزية فهماً أعمق وألفاظاً أدقّ. لكنني مع هذا أعلم أن النص الإنجليزي، رغم دقّته وعُمقِهِ، منقوص وفاقد لجزء مهم من روح دوستويفسكي. لذلك، أعتقد بأن لا يمكن لأي ترجمة، مهما كانت دقيقة، أن تغني غناء النص الأصلي.

هل يحقّ لقارئ النص المُترجَم أن ينقُد النصّ وكاتِبَهُ؟ هل يكون لمِثل هذا النقد أي قيمة من الأساس؟! لا يمكنني أن أدّعي أنني أملك إجابة لهذا التساؤل. 

طبعاً هذا لا يعني أن الذي يقرأ الترجمة العربية (للدروبي) أو أي ترجمة أخرى لنصوص دوستويفسكي لن يعرف الأحداث والحبكة والشخوص في روايات دوستويفسكي. هُو بالطبع سوف يُحيط علماً بكلّ هذه الشكليات والأركان الروائية تماماً كالذي يقرأ العمل بلغته الأصلية. ولكن، هل يستويان في التذوق الأدبي الدقيق للنص وما وراء النص؟ بالطبع لا! وعدم التساوي هذا بين قارئ النص المترجَم وبين قارئ النص الأصلي، يقود إلى عدم التساوي أيضاً بين رأي ناقد النصّ الأصلي وناقِد النصّ المترجم. فإنّ السُّلطة النقدية للناقد الذي قرأ العمل بلغته الأم تتفوّق بمراحل على سلطة الناقد الذي قرأ إحدى ترجمات ذلك النصّ. وربّما يقودنا هذا، إن أردنا أن نكون متطرفين قليلاً، إلى أن نتساءل: هل يحقّ لقارئ النص المُترجَم أن ينقُد النصّ وكاتِبَهُ؟ هل يكون لمِثل هذا النقد أي قيمة من الأساس؟! لا يمكنني أن أدّعي أنني أملك إجابة لهذا التساؤل. ولكنني أميل قليلاً إلى الاعتقاد بأن رأي الناقد الذي قرأ النص مترجماً، ليس ذو قيمة كبيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.