شعار قسم مدونات

المؤسسات الحزبية بالمغرب.. مآلات الإصلاح وآليات الاحتواء

BLOGS - علم المغرب
رغم وضوح المواقف بشأن المؤسسات الفاسدة، التي يجعل منها المخزن هيئات للتمثيل الداخلي وواجهات للتسويق الخارجي، يبقى من الحيف أن يضع المتابع كل مؤسسات المخزن في سلة واحدة، خاصة ما تعلق منها بالأحزاب السياسية لاعتبارها صنيعة الدولة في النهاية وتشكل امتداد طبيعيا لجسدها.

فالأحزاب متباينة في دواعي تأسيسها، وهي دواع تخدم -قطعا- مصلحة السلطات في إطار تدبيرها للمرحلة السياسية التي تمر منها، فهي تدفع قطاعا من المجتمع ممن تتوجس منهم إلى تأسيس أحزاب وفق شروطها، هذا الدفع يتمظهر بشكل إغوائي/إغرائي وإقناعي بجدوى العمل من داخل مؤسسات السلطة لاحتواء أي مشروع من شأنه أن يهدد استقرار الحكم ولكبح أي حركة تقلق راحة الحاكم، وتدفع في هذا الاتجاه أيضا بالتضييق وتشديد الحصار على الهيئات السياسية التي ظلت متمنعة عن القَبول بالمشاركة في الحكم الذي تعتبره الأخيرة صوريا، في انتظار إذعانها للمخطط كما تتوهم. وهذا ما حكم علاقة الدولة بجماعة العدل والإحسان التي ضربت عليها الحصار والتضييق منذ تأسيسها، بعد رفضها رفضا قاطعا المشاركة في اللعبة السياسية بالشروط المرسومة أبعادها من قبل السلطة.

سيصبح الحزب المسكين القابل بشروط اللعبة، بحسن نية بعض رموزه وثقتها العمياء في غول السلطة، صنيعة على عين النظام فيُسجّى جسده المتحمس/المتمرد على حزام الآلة المخزنية تعيد تدويره وتشذيبه بحسب ما تمليه الظرفية السياسية.

كما تتباين الأحزاب أيضا في مبادئها ومواقفها وتلوينات طيفها الإيديولوجي وكذا في قناعاتها السياسية في التغيير وأسقفه، وتظل نظافةُ اليد والثباتُ على المواقف أبرزَ محدد للتصنيف الإيجابي بعيدا عن أيِّ محدد آخرَ كان دينيا أو فكريا، لذلك من الظلمِ وسوءِ التقدير أن نساوي بين حزب خرج من عباءة المخزن وبنى تمثيليته على المال الحرام وشراء الذمم، وآخر -وإن كانت بدايته من نفس العباءة بشكل مغاير- استطاع أن يأتي بتمثيلية حقيقية، ونجح في خلق رصيد محترم من الممارسة السياسية على الأقل في مؤسساته الحزبية وعلاقته بالمواطن.

لكن، أيضا، لا يمكن للمواطن أن يرحم أي حزب مهما بلغت درجة نظافته ومشروعية تأسيسه والتزامه بالبعد الديني ما لم يبد استعدادا كافيا للنهوض بالوضع الاجتماعي والاقتصادي، بل ما لم ينجح في تنزيل "رؤيته الإصلاحية" ووعوده الانتخابية السخية التي أطلقها أمام عدسات الكاميرات وأضواء المنصة في سكرة التصفيقات ونشوة الانتصار المرتقب.

ولن يرحمه أيضا لأنه في الأخير ما سُمح له -كهئية حزبية مرحب بها- باللعب (بكل ما تحمله المفردة من دلالات العبث) في الحياة السياسية وخوض غمارها إلا لأنه سيغدو مشروع إلهاء في يد الدولة وآلة التفاف على المطالب الاحتجاجية التي يصدح بها هذا المواطن المغلوب في الشوراع ولا من سامع؛ وما سُمح له بالتواجد السياسي –كذلك- إلا لأنه سيعمل على إحداث جعجعة سياسية تسمح لأجنحة الحكم بربح الوقت وتسهر على حركة الهروب للأمام في مناورة الإصلاح والوعود في أفق ترحيل الأزمة. لكن هي جعجعة تظل فاعلة بالنسبة للدولة كونها تؤدي وظيفتها في الإيهام بالمشروع التغييري وحجب الوضع المأزوم. وهذا ما تنبه له البعض، فاحتاط من هذا الشراك بمقاطعة العمليات الانتخابية والاستفتاءات رغم وجوده تحت مظلة حزبية معترف بها من طرف الدولة، وقد نحا هذا التوجه حزب النهج الديمقراطي.

لذلك سيصبح الحزب المسكين القابل بشروط اللعبة، بحسن نية بعض رموزه وثقتها العمياء في غول السلطة، صنيعة على عين النظام فيُسجّى جسده المتحمس/المتمرد على حزام الآلة المخزنية تعيد تدويره وتشذيبه بحسب ما تمليه الظرفية السياسية، وتبعا للضوابط المتحكمة في إدارة الأزمة وتدبير الاحتقان المندلع بين فترة وأخرى، تلك الضوابط التي يتدخل في هندستها الوضع الإقليمي للبلد، بالإضافة إلى الفاعلين الكبار في خريطة العالم السياسية. فيصير الحزب ذو الشعبية المعقولة في مهب الريح بعد خضوعه لعملية الرسكلة والاحتواء.

هذا كله إن كان الأمر يتعلق بحزب بهذه المواصفات الأصيلة، أما الأحزاب التي تؤسَّس وهي تحمل في طياتها عناصر القابيلة للرضوخ والاحتواء فهي لا تكلف الدولة جهدا ولا أمدا في استدراجها لمربع "التجنيد السياسي"، إذ هي تهب نفسها رخيصة في سبيل تدعيم ركائز الفساد والاستبداد طمعا في فتات الكعكة المحرمة على الطبقة الشعبية المطحونة.

تأسيسا على قواعد الوضع المرسوم، فإن حزبا من الملائكة الأطهار لا يمكن أن يحدث اختراقا في حائط الفساد والاستبداد من داخل المنظومة الحديدية المحكمة/الحاكمة، إلا من توهم أنه يسبح بحركات مؤتية نتوجة.

إذن، فالأحزاب -في سوادها الغالب- إما مندفعة لحضن النظام أو هي أحزاب متمنعة راغبة، لكن في المحصلة يقضي النظام وطره باستعمال الاثنين معا. فتجده يجند الأحزاب ذات الأوزان الثقيلة على مستوى الرصيد الشعبي، بغية امتصاص الغضبة الاجتماعية وتحريك حالة الارتخاء السياسي في الاتجاه الذي أجندته السياسية ومشاريعه المصلحية، وذلك خاصة في الفترات الحساسة واللحظات الحاسمة رغم البرود الذي يكون قد طبع التعاطي مع هذه الأحزاب في زمن سياسي سابق، ومن بين أبرز الأمثلة على ذلك تجربة "التناوب" التي قادها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مع عبد الرحمن اليوسفي أيام "السكتة"، وكذا تجربة حزب العدالة والتنمية مع عبد الإله بن كيران إبان حراك 2011.

تأسيسا على قواعد الوضع المرسوم، فإن حزبا من الملائكة الأطهار لا يمكن أن يحدث اختراقا في حائط الفساد والاستبداد من داخل المنظومة الحديدية المحكمة/الحاكمة، إلا من توهم أنه يسبح بحركات مؤتية نتوجة، لكن سرعان ما ينتبه للخبط الأعشى فينزل إلى القعر وقد خارت قواه في نجدة نفسه بدفع النقد الباني والهادم، وانهد لتوالي ضربات الحيتان التي لم تستصغ فكرة وجود كائن غريب يقلب قواعد اللعبة، ويقدم نفسه نموذجا للإصلاح غير المرغوب فيه داخل دوائر السلطة. فيصبح بعد حين هيكلا بدون لحم، وإطارا من غير رصيد، ليستحيل إلى مؤسسة خواء تترك لتلقى مصيرها وتموت موتها السياسي.

فلا هو أصلح، ولا هو أبقى على نفسه دهرا إلى حين تسنح الفرصة التغييرية بشروط معقولة وناضجة..
لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى!!
لا وضعا صار أصلح، ولا رصيدا بات أنقى!!
فيما يظل الالتحام بالمقهور والمظلوم في ساحات الحراك خير وأبقى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.