شعار قسم مدونات

فلسفة رُقعة الشطرنج

مدونات - شطرنج
كثيرٌ ما تأسرُني رقعة الشطرنج وتأخذني لجلِّ مفرداتها ومعانيها الخفية والتي ما تفتأُ إلا بالتمركز حول حياتنا فنراها جليّةً في مواضيع جمة، حيثُ تصبح الأمور بحدّ ذاتها رُقعة شطرنج ويصبح البياض والسواد المحرّك الأساسي وتبدأ حياتنا على نحوٍ مشابهٍ لمعركة الشطرنج.

الحياة وما تحمله بين طياتها من مواقف كالرقعةِ فيها بياضٌ وسوادٌ وفقَ ترتيبٍ معين، وقطعٌ تُمثّل تناغم دولةٍ متكاملةِ المحاور، حيث تتحرك كل قطعةٍ بخطىً محددة فلا يعبث أيٌّ منها بمكان الآخر ولا يُسمح لأي منها بالسير كما تحلو لها، ولديها وظائف معينة كلٌّ حسب منزلتها ومكانتها وأماكن تواجدها.

وتظهر فلسفة الشطرنج جلياً في تتابع اللونين الأسود والأبيض حيثُ تخوضُ المنافسة لتكسب أو تخسر وذلك يعتمد على عقلك المُفكّر، وتتميز بالإنصات التام محاولاً إشغال عقلك فتارةً تبحث عن الطرق الأقل خطراً لحماية ملكك والحفاظ على أقل الخسائر وتارةً تنشغل بماذا يفكر خصمك وماهية الخطوات التابعة، فهي تروضك على الصبر والسكون وتمنحك قدرة التركيز، فأي خطوةٍ غير مدروسةٍ بحذافيرها ستؤدي إلى حافة الهاوية وتقودك لتسليم ملكك وسقوط دولتك البسيطة الماثلةِ أمامك، فوجود القلعة والفيل والوزير والحصان والجنود يمثل تركيبةً حيةً تحاول العيش بتناسقٍ تامٍ وفق صلاحيتها ساعيةً لحماية الملك ومن هنا نبدأ بتفسير الحياة كرقعة شطرنج.

الله معك حينما يختفي الجميع، الله معك يحيطك من كلّ جانب، تهمس فيسمعك، تتألم فيغفر ذنبك، تُهزم فيستنصرك، الله معك حيث لا أحد سواه قادرٌ على انتشالك من الظلم والجور، توكل على الله واعلم أنه ما خلقك عبثاً لتتوه في الدنيا فهو مليك أمرك وناصرُك ومعينُك.

تتمثل حياتنا تارةً بالأُم الحانية حيث تعطف عليك وتأخذك بين أحضانها بمشاعر الأمن والأمان، فتستكين لذاك الحال وتوهم نفسك بالاستقرار وهذا ما يمثل بداية اللعبة وبداية السكون. دولةٌ صغيرةٌ ماثلةٌ بكافة عناصرها وكلٌّ في مكانه المخصص، قطعٌ متقابلةٌ تنتظر شارة البدء، شارة الصمود والبقاء!

ثمّ ما تلبث القطع بالحراك وتبدأ الحياةُ بخلع قناعها المزعوم وتُلقي عليك حِملها وابتلاءاتها، وبحركةٍ صغيرةٍ تنقلب الموازين، فتدخل الأعاصير الهائجة محاولاً الحفاظ على صبرك وتركيزك، ولكن يتحتُّم عليك أن تُبقِيَ قلبك على قيد النبض، فأنت في دُنيا ليست جنة ولن تكون مثلما أردت وذائقةُ انهيار مملكتك ماثلةٌ أمامك فرُقع الشطرنج متأرجحةٌ بين معركة الشيطان أو الطموح أو البقاء أو النقاء أو الموت، بياضٌ وسواد وبرزخٌ فاصلٌ بينهما!

حياةٌ فانية لا تُسمنُ ولا تُغني من جوع، ابتلاءاتها طريقٌ لله، وصبرُنا طريقٌ للنجاة، لا تدومُ على حال ولا تبقى على وصال، تتبدلُ كما يتبدلُ الليل والنهار، وتُفزعنا في لحظات، وكم نغتَرُّ بسكونها وهدوء موجها، وتتوانى أيامها ولا نشعرُ بمرورها، وكلُّ شيءٍ هالكٌ فيها إلا وجهه.

طريقٌ طويلٌ لا يضمنُ الإنسان فيها عيشَه كما لا يضمن بقاء أحبائه وأغلى الناس على قلبه، تُفجعهم بالمصيبة وتختبرهم بالفقد، وكذا الحالُ في أوج الرُقعة وما تبقى معك من قطعٍ تحاربُ من خلالها للبقاء، خسارةٌ تلو الأخرى وسقوطٌ تلو الأخر ومن المنتصر؟ فالمعركة تشتدّ والوجوه تتساقطُ أمامك في لحظات.

فقدٌ، مصيبةٌ، ألمٌ، أم مرض، هذه هي الحياة تتبدلُ من حالٍ إلى حال، فنَهوي بها أو نقِف، فمنّا من يَظُنُّ انتهاء حياته لموت عزيزٍ على القلب، ومنّا من ينتظر حتفَهُ على عجَلٍ، ويطلُبُ الموتَ دون وجَل، وكذا الشطرنج فتركن لوجود الوزير أو القلعة أو الحصان وتطمئن على حالك وعند زوالها يحتدمُ الموقف ويشتدُّ الوَقع فمن كنت تستمسِكُ به انهار ومن ضمنت بقاءه اختفى، ومن لجأت إليه ذهب دون استئذان ومن استنصرته تركك حائراً تتخبطُ تيهاً في البياض والسواد.

الله معك حينما يختفي الجميع، الله معك يحيطك من كلّ جانب، تهمس فيسمعك، تتألم فيغفر ذنبك، تُهزم فيستنصرك، الله معك حيث لا أحد سواه قادرٌ على انتشالك من الظلم والجور، توكل على الله واعلم أنه ما خلقك عبثاً لتتوه في الدنيا فهو مليك أمرك وناصرُك ومعينُك، فيا سعد من أبصر العبر والعظات ولم يقف عند اليأس بل شمّر عن ساعديه وأيقن طريق نجاته ورسم خطوطاً تنير عليه ما تبقى له من عمره ولم يَتَسمّر عند المصيبة بل عزف على أوتار صبره وصموده، وأيقن الخطوات التي ستؤويه إلى سفينة نوح حيثُ يبحر إلى نجاة أمره وصلاح حاله مهما عرقلته الخطى واشتدت الصعاب وسقطت الأقنعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.