شعار قسم مدونات

لا تقولي إنك خائفة

blogs - سامية عمر يوسف
صادفتُ قبل يومين منشورًا لسيدةٍ مصريةٍ تحتفي بابنها بعد إعلان نتائج الثانوية العامة لهذا العام، راحتْ تلتقطُ صورةً معه وتقدمه بفخرٍ واعتزازٍ أمام جمع الأصدقاء والمتابعين على حسابها الشخصي في فيسبوك رغم إخفاقه في مادةٍ يتوجب عليه إعادتها، ولعل ما لفتني في كلماتها الروح القوية وثقافة التشجيع التي جسدّتها في أجمل صورها وكانت حاضرة في كل كلمةٍ كتبتْها.

وما أحوجنا في الحقيقةِ إلى أمهات وآباء يُقدرون معنى أن يُحاول الأبناء، وحين يُخفقون لا يفتحون أعينهم إلا على ما بذله الأبناء من جهدٍ في سبيل أن يصلوا لا التركيز على الأخطاء ومقارنة أبناءهم مع غيرهم، وندب الحظ والشكوى والضجر وزرع الخوف في نفوس الأبناء، فيغدون دون ثقةٍ ولا شخصية مُتزنة.

ويروقني جدًا الذين يتحدثون عن قصص حياتهم، فلا يتجنبون أبدًا الحديث عن الأخطاء التي علمتّهم وقوّتْ سواعدهم، ولا مواطن الإخفاق التي لولاها لما صاروا على ما هو عليه الآن، ولا تقلّب المزاج وأجواء الاكتئاب المفاجئ، وفقدان الحَماس التي كانوا يمرون بها، الذين يتحدثون عن مخاوفهم التي رافقتهم طيلة حياتهم دون تردد، معتزين بدور آبائهم وأمهاتهم وكلماتهم التي تبقى حاضرةً في أذهانهم طوال الوقت، والتي ساهمتْ في تقليل مخاوفهم ومواصلتهم السعي.

فاطمة طيّب التي ترشحتْ لرئاسة الصومال العام الماضي أهدت تخرجها من هارفارد قائلةً: "أُهدي تخرجي هذا وكل نجاح في حياتي إلى سائق الشاحنة أبي، إلى الأميِّ الذي لم يعرف القراءة ولا الكتابة لكنه عرف كيف يجعل مني قوية لا تخاف، يلتف حولي في كل وقت".

ذلك الذي دعا الروائي الإيطالي "جوزيه كاتوتسيلا" ليجعل من "لا تقولي إنك خائفة" عنوانًا لرائعته الرواية التي يتحدث فيها عن سيرة العدّاءة الصومالية سامية يوسف عمر، حين قال لها أبوها: "لا تقولي إنك خائفة أبدًا يا صغيرتي سامية، وإلا فإن ما تخافينه، سيتعاظم حتى يهزمك ويطيح بك" و"إذا تعرضتِ لأمر لا يروق لكِ، فغيّريه حالًا يا سامية".

وذلك أيضًا دعا ضياء الدين يوسفزاي والد "ملالا" أصغر حائزة على جائزة نوبل للسلام في العالم للقول: "يسألني الناس عما فعلته لابنتي لتصبح شجاعة، لا تسألوني عما فعلت لها، اسألوني عما لم أفعله، أنا لم أقص أجنحتها". ودعا المُلهمة الصومالية "فاطمة طيّب" والتي ترشحتْ لرئاسة الصومال العام الماضي لتهدي تخرجها من هارفارد قائلةً: "أُهدي تخرجي هذا وكل نجاح في حياتي إلى سائق الشاحنة أبي، إلى الأميِّ الذي لم يعرف القراءة ولا الكتابة لكنه عرف كيف يجعل مني قوية لا تخاف، يلتف حولي في كل وقت".

تلك الوقفات الشجاعة غير المُكلفة لن ينساها الأبناء مهما كبروا وأينما ارتحلوا ومتى استذكروا أجمل ما في ماضيهم، لن ينسوا تلك الشُعَل التي استنفرتْ وربّتْ أجمل ما فيهم، فجعلتهم يُبدعون ويُدهشون العالم ويُكنِوا الودَّ والحُب والخير للبشرية جمعاء.

تلك الوقفات التي ذوّبتْ حُرقة القلب وقهر الأخطاء، طيبّتْ الخاطر وصفّتْ البال وفزّتْ القلب من محله، فجعلتْ الأبناء مُلهِمين، واثقي الخطى، صعب استفزازهم ولفت أنظارهم بسهولةٍ.

ممتن لكل أبٍ شجاع، لكل أمٍ شجاعةٍ فهمتْ معنى التربية، وأدركتْ أن التربية أصعب من الإنجاب، وأن فكرة إحضار طفل جديد إلى هذا العالم ليس أمرًا سهلًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.