شعار قسم مدونات

موجات الحروب في الشرق الأوسط والآثار الاستراتيجية

blogs دخان حرب
عرفت منطقة الشرق الأوسط منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين خمس موجات من الحروب، كانت قد بدأت بالجيل الأول الذي يمكن الاصطلاح عليه بالحروب الإقليمية التقليدية بين إسرائيل والدول العربية في ثلاث حروب رئيسية، غيرت المشهد الاستراتيجي للمنطقة وأظهرت فجوة القوة العسكرية بين الفواعل الرئيسية؛ والمتمثلة في التفوق العسكري الإسرائيلي وتحييد مصر عن الصراع العربي الإسرائيلي وبدء الخلافات تدب في النظام العربي مع توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1978. كان هذا التاريخ بداية لتراجع احتمالات الصدام المسلح بين الجيوش العربية والجيش الإسرائيلي وتعويضه بمقاربة السلام مع إسرائيل والتسليم بالوضع القائم.

أدى تراجع احتمال نشوب الحرب التقليدية بين العرب وإسرائيل إلى ظهور الموجة الثانية للحرب المحرّكة بواسطة حرب الجماعات العسكرية غير الدول ضد الجيش التقليدي، وكانت في مقدمة هذه الجماعات منظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها التي قاتلت الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، جماعات الأكراد في العراق وتركيا ومجاهدي خلق في إيران. استمرت هذه الموجة بواسطة تجديد فواعلها من الجماعات العسكرية المسلحة، مع ظهور جماعة حزب الله في لبنان لإخراج القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، ثم حركة حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة. جددت هذه الموجة نفسها بواسطة تعويض الإيديولوجية القومية العربية بالإيديولوجية الإسلامية.

 حرب "مرحلة ما بعد داعش"، تركز على تفكيك والضغط على جماعات الإسلام السياسي من أجل تبني العمل العسكري المسلح لتعويض داعش والجماعات الراديكالية المسلحة، وتغذية الصراع بين الجيوش العربية وجماعات الإسلام السياسي من أجل تخريج جيل جديد من الجماعات.

نتيجة لمجموعة من التطورات العسكرية في المذاهب العسكرية والبنية الاقتصادية والسياسية في النظام الدولي، ظهرت الموجة الثالثة من الحرب الدولية في المنطقة بدأت بعاصفة الصحراء عام 1991 وانتهت بالغزو الأمريكي-البريطاني للعراق عام 2003؛ جرت بين القوى العظمى والدول الضعيفة من أجل تغيير المشهد الاستراتيجي الإقليمي بشكل جذري. تميزت هذه الموجة بظهور دور ثورة المعلومات في الشؤون العسكرية وهيمنة الأحادية القطبية على التوازن الاستراتيجي الدولي. أدت هذه الموجة إلى اختفاء القوة العسكرية العراقية من التوازن الإقليمي، زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، تراجع الدور المصري (ومن ورائها الجامعة العربية) وانتشار نفوذ الجماعات الإسلامية الراديكالية المسلحة.

حملت الموجة الرابعة من الحروب في الشرق الأوسط عنوان "الحرب العالمية على الإرهاب" كنتيجة لضرب تنظيم القاعدة لقلب الوطن الأمريكي في 11 سبتمبر 2001، وظهور دور الجماعات المسلحة مثل تنظيم القاعدة في عدد من البؤر الجديدة، وكانت أكثرها بروزا ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وسيطرته على مناطق كبيرة من سوريا والعراق في عام 2014؛ الذي قوبل بتشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2014. أكثر الآثار الاستراتيجية بروزا لهذه الموجة تمزيق البنية السوسيولوجية للمجتمعات وإقحام الطوائف الدينية والاثنية في الحرب، مما وضع مفهوم الدولة القومية محل تساؤل حرج والعودة بالدولة العربية الوطنية إلى المربع الأول لعام 1945.

الموجة الخامسة هي حرب "مرحلة ما بعد داعش"، والتي سوف تركز على تفكيك والضغط على جماعات الإسلام السياسي من أجل تبني العمل العسكري المسلح لتعويض داعش والجماعات الراديكالية المسلحة، وتغذية الصراع بين الجيوش العربية وجماعات الإسلام السياسي من أجل تخريج جيل جديد من الجماعات التي ترفض أفكار الديمقراطية والتعددية وتبني العمل المسلح ضد القوات المسلحة الوطنية؛ وهي الوضعية التي سوف تنهك موارد الدول وتؤدي في نهاية المطاف إلى تفكيك ما تبقى من الدول العربية. سوف يغذى هذا الصراع والتفكيك بواسطة الفكر الوهابي الجديد الذي يرفض عمل الأحزاب والتركيز على فتاوى تصنيف الناس داخل المجتمع الواحد على أساس أحكام العقيدة، البدعة والسنة، والتشكيك في كل عقائد وأفكار كل الذين يخالفونهم في التفكير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.