شعار قسم مدونات

سراب العشق

blogs الحب

"العشق الممنوع.. العشق الأسود.. سيرة الحب.. حب حياتي.. الحياة جميلة عندما نحب.. العشق لا يُفهم من الكلام.. حكم الهوى.." تلك بعض من عناوين أطلقت على قصص هي مسلسلات تملأ شاشات أُقحمت في بيوتنا عنوة، كلها تتحدث عن حب أو عشق أو هيام، وأغان تدور موسيقاها وألحانها وفحواها عن الحب وكلماتها المسماة ظلما بالشعر ترسم حبا رقراق أو ألم وفراق أو غدر واشتياق أو هجر وعناق، وبلا عد أفلام وروايات وقصص وحكايات وشعر وعبارات كلها مجتمعة تدور بلا توقف في فلك "الحب"، وي كأنها مجرة سراب أو مجرة وهم وعذاب تدور وتدور بلا توقف منظور، تدور من قبل أن نكون وكأنها ستبقى حتى بعد أن نزول.

حكايات أبطالها أثرياء بلا عمل، يتنقلون بلا كلل، سياراتهم فارهة، ومنازلهم قصور، حبهم أقوى من عاداتهم وأهليهم ومجتمعاتهم وظروفهم، حبهم لا يقهر، كما إنهم جميعا وسيمين وجميلات فاتنات لا يتعبن ولا يتغيرن، عذبي الملامح عباراتهم منتقاة وابتساماتهم مصطفاة.

مراهقون ومراهقات يتابعون بشغف لا يميزون بين الحب وفتنة الوجوه الجميلة، والحياة العسيلة، لا يميزون بين حبهم للقصة النبيلة أو حبهم للحياة والوجوه الجميلة في القصة، أو نساء يتابعن بشغف سراب أخترنه بديلا عن واقع عشنه ظنا بان حظهن فقط كان سيء وهناك آخرون يحيون الحلم، يتابعون بنهم يتخيلون أنفسهم طرفا في قصة الحب المشاهدة.

جميعهم رغم شديد حبهم الظاهر في شعرهم لم يستطع حبهم هذا أن يذلل الصعاب أو يخرق العادات ويقرب المسافات، فالحق يقال لو أن عنترة تزوج عبلة أو قيس تزوج ليلى.. لما كتبوا شعرا ولا نثرا ولكانت حياتهم لا تخلو من المشاكل المتكررة.

قال رجل لبرنادشو "أنت انسان تبحث عن المال أما نحن فنبحث عن الكرامة والشرف. فأجابه برناردشو: لك حق. فكل منا يبحث عما ينقصه.." فالحب ينقص الأغلبية كما يبدو لذا يبحثون عنه، ربما لأن الحب بالصورة التي يتخيله العموم بها أمرا غير موجود إنما هو كمال مقصود ولحظات ماضيات لا يمكن أن تكون سرمديات أبد الحياة، فلا حياة تستمر على وتيرة واحدة مثالية.

سألت في واقعي الكثير من (المثقفين) المؤمنين بالحب وصنائعه من المعجزات عن قصص حب يعرفونها خلدها التاريخ، فمعظمهم أجاب بعنتر وعبلة، وقيس وليلي، وجميل بثينة، وكثير عزة .. فيما أصحاب الثقافة الأعمق أضافوا عروة وعفراء، وتاجوج والمحلق، وقيس ولبنى، فيما أضاف السطحيين روميو وجوليت، ومهند ونور!! من الواضح الجلي في قصص الحب المخلدة أن أصحابها شعراء يهيمون في سحر الكلام ويطوعونه كما يشاؤون بما حباهم الله بملكة لا يتقنها غير قلة فيرسمون بأبياتهم أمورا ليست بالضرورة حقيقية بل يرسمون رغبات متقدات وليست حقائق موجودات، كمأ أن حبهم لم يتكلل بالوصال فبقيت نارهم متقدة لم تخمد، يذكيها شوق إلى اللقاء.

وبعضهم أحب منذ أن كان طفلا ونما معه حبه، فالأمر لا يعدوا كونه تعلق وتعود محاط بأحلام الوصال، وما من أحد يعرف أوصاف معشوقاتهم حتى وإن كان بعضهم قد وصف عشيقته، لكن الراغب بالوصال يرى ما لا يراه من أشبعه الوصال، إذ يقال بأن عبلة كانت قليلة حظ بالجمال وليست منتقاة من مخرج ليسوق بها حكايته.

وجميعهم رغم شديد حبهم الظاهر في شعرهم لم يستطع حبهم هذا أن يذلل الصعاب أو يخرق العادات ويقرب المسافات، وبعضهم أبناء عمومة، فلا فوارق طبقة ولا اجتماعية، فالحق يقال لو أن عنترة تزوج عبلة أو قيس تزوج ليلى أو كثير تزوج عزة لما كتبوا شعرا ولا نثرا ولكانت حياتهم لا تخلو من المشاكل المتكررة ولكانت نفس قيس تهفو لفتاة حسناء أخرى ترد النبع فتنثني لترفع خابية الماء أعلى قدها، ولكان عنترة لائم لنفسه على تسرعه في اختياره فسمعته كفارس كانت لتعطيه خيارات أفضل.

فكل زواج أو خطبة وكل اختيار وملابساته حتى زواجك أنت أو أنتِ كانت لتصلح كمسلسل عشق يقوم بدوره ممثل أجمل منك أو أخرى أجمل منكِ، مع حوار يكتبه أديب يفهم رغبات المشاهدين ونزعات المراهقين. لكن أجمل ما في الحب القديم أن أشعاره كانت أجمل منه، فيها لذة استماع تفوق تفاهة مسلسلات يصل مدخولها سنويا لما يفوق المائة مليون دولار.

وَلَقَد ذَكَرتُكِ والرِّماحُ نَواهِلٌ – مِنّي وبِيضُ الهِندِ تَقطُرُ مِن دَمي
فَوَدَدتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأَنَّها – لَمَعَت كَبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسِّمِ

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.