شعار قسم مدونات

لماذا سيحاولون اغتيال الرئيس التركي أردوغان؟

مدونات - أردوغان

تكمنُ أهمية القراءة المتأنية والمستوعبة لدروس التاريخ وما حدث في السابق مع الأمم والشعوب أنها تمهد الطريق للإنسان ليستطيع أن يتوقع بعض الأحداث المستقبلية، وذلك لأن التاريخ كان ومازال المُعلم الأول لمن أراد أن يخطط للمستقبل ، فلطالما تشابهت الأحداث على مر الزمان أما المتغير الوحيد فهو الأشخاص فقط لا غير، وسأذكر هنا مجموعة من أخبار الأزمنة السابقة والتي لم يمر الكثير عليها بعد ،ويُتوقع أن تُعاد في المستقبل ولكن بأشخاصٍ مختلفين.

ولكن قبل أن أبدأ بسرد هذه الحوادث والأخبار فلا بد من الإشارة أن الانقلاب الذي حصل في تركيا والذي تمر الذكرى الأولى له في هذه الأيام لم ينتهي بعد، وإنما ما جرى في العام الماضي ما هو إلا فصلٌ قد يمتد لعدة فصول لإسقاط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية، فتركيا غدت اليوم القبلة الوحيدة المتبقية لملايين المشردين والمهجرين من أراضيهم من مصر وسوريا وغيرها من البلدان التي سيطرت عليها أنظمة الاستبداد العميلة والتابعة مباشرة للغرب، وبإسقاط حكام تركيا ومتابعة الضغط على دولة قطر للرضوخ لإملاءات الدول المحاصرة لها والتي تطالبها بإغلاق قناة الجزيرة وغيرها يكتمل المسلسل والخطة الموضوعة والتي تستهدف شعوب المنطقة بهدف إكمال تنفيذ ما يسمى بصفقة القرن والتي أصبحت أبعادها مرسومة وواضحة. 

أما الآن فأعود لسرد حوادث وقعت في دول متعددة وهي مرشحة بقوة للحدوث مرة أخرى في المستقبل لأن من افتعل هذه الأحداث ومن حرك خيوطها في الخفاء هي نفس الجهة المرشحة لأن تعيد الكرًّة من جديد ولنفس الأسباب:

(1)
في 31 تموز يوليو 1981 كان رئيس بنما عمر تورخيس متوجهاً بطائرته إلى بيته في إحدى مناطق جبال بنما وفجأة انفجرت قنبلة في الطائرة وتوفي كل من فيها، وعلى رأسهم عمر تورخيس نفسه ليتولى بعدها الحكم مانوييل نورييغا تاجر المخدرات وعميل المخابرات الأمريكية المعروف. اتُهمت المخابرات الأمريكية بأنها هي من دبرت الحادث وذلك لعدة أسباب من بينها أن تورخييس وقف ضد السياسات الاقتصادية التي تفرضها أمريكا على بنما، ومن بينها أيضاً أن بنما في عهده تحولت إلى بلد يقصده اللاجئون السياسيون والفارون من باقي ديكتاتوريات أمريكا الوسطى والجنوبية وعلى رأسهم الفارين من انقلاب بينوشه في التشيلي عام 1973.

(2)
قبل شهرين من مقتل رئيس بنما عمر تورخيس وبالتحديد في 24 مايو آيار 1981 ،وبحادث مشابه لحادث مقتل تورخيس تحطمت طائرة رئيس الإكوادور خايمي رولدوس واتُهمت أيضاً المخابرات الأمريكية بتدبير الاغتيال. عُرف عن رولدوس في تلك الفترة الحساسة تأييده الكبير لحقوق الإنسان رغم موجة الاستبداد التي كانت تعم أمريكا الجنوبية، وخاصة في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وغيرهم كما اتخذ رولدوس عدة قرارات اقتصادية هامة كرفع معدل الأجور في الإكوادور وزيادة معدلات التنمية مما أزعج أمريكا وأخر تنفيذ خططها الاقتصادية في الإكوادور.

(3)
في الحادثتين السابقتين لم تعلن المخابرات الأمريكية وقوفها صراحةً وراء تلك الأحداث أما في الحادثة الثالثة التي أنا في صددها الآن، فقد اعترفت المخابرات الأمريكية بوقوفها وراء الحادث وذلك عبر وثائق أفُرج عنها من أرشيف الأمن القومي الأمريكي في عام 2013.

مسيرة في الذكرى الرابعة عشر لوفاة محمد مصدق
مسيرة في الذكرى الرابعة عشر لوفاة محمد مصدق

ملخص الحادثة أنه في عام 1951 اتخذ محمد مصدق رئيس وزراء إيران المنتخب ديموقراطياً قراراً بتأميم أصول النفط الإيران والذي كانت الشركة المسماة بي بي لاحقاً -كانت تسمى في تلك الفترة الشركة الأنجلو-إيرانية- تسيطر عليه، ولكن أثار هذا القرار غضب الحكومة البريطانية والتي أعدت خطة بالاتفاق مع السي آي إي لإسقاط مصدق عام 1953 وجرى هذا الأمر بعملية سميت حينها "عملية أياكس" قادها كيرميت روزفلت -حفيد الرئيس الأمريكي السابق تيودور روزفلت- وتضمنت العملية شراء ولاءات ودفع رشاوي كبيرة في إيران، وإطلاق تهديدات لجهات معينة تدعم مصدق. أدى كل هذا في النهاية إلى تأليب فئات محددة من الشعب ضد مصدق قامت بأعمال شغب صورت في حينها على أنها ثورة شعبية ضده (تشبه أحداث 30 يونيو في مصر عام 2013 الى حد بعيد) وانتهت الأحداث بعزله ومحاكمته محاكمة صورية والحكم عليه بالإعدام قبل أن يخفف الحكم بعد ذلك، وينتهي المطاف بمصدق موضوعاً قيد الإقامة الجبرية في مدينة أحمد آباد.

(4)
تتكرر حوادث اغتيال الرؤساء عن طريق تفجير طائراتهم، وكأن نفس الطرف يقف وراء هذه الأحداث وللمصادفة بنفس السيناريو! وهذه المرة الضحية هو الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق. جرى هذا تحديداً في 17 أغسطس آب 1988 والغريب هنا أن واقعة الاغتيال شملت أيضاً في نفس الطائرة السفير الأمريكي في باكستان، والذي كان يرافق الرئيس الباكستاني مما يوحي في البداية أن الحادث ليس من تدبير أمريكا. وُجهت التهم في حينها للهند أو الموساد باغتيال الرجل لأنه كان يعمل على مشروع امتلاك باكستان ما عرف بعدها بـ "القنبلة النووية الإسلامية" وهذا ما يزعج البلدين ويثير حفيظتيهما بالطبع، ولكن أصابع الاتهام في هذه الحادثة وُجهت بشكل كبير إلى السي آي إي مرةً أخرى رغم مقتل السفير الأمريكي حينها، وذلك لأن ضياء الحق كان يمارس سياسة اللعب على الحبال مع واشنطن، فهو من ناحية كان يُظهر أنه يسير في الفلك الغربي دولياً، ولكن في الشؤون الداخلية والإسلامية فكان يتقرب للجماعات والدول الإسلامية مما أزعج أمريكا في نهاية المطاف.

لا يخفى على أحد أن العديد من الصحف أكدت خلال العام الماضي أن أمريكا كانت تدعم محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان بشكل غير مباشر.

كانت هذه أربع حالات متعددة يجمعها عدة قواسم مشتركة، فالضحايا هم رؤساء دول والطرف المتهم بالاغتيال هو الولايات المتحدة وبالإضافة إلى هذه الحالات يوجد حالات أخرى مشابهة كانقلابات عسكرية وأحداث شغب واغتيالات وعزل لرؤساء دول انتخبتهم شعوبهم كما حدث في كل من التشيلي والكونغو وغواتيمالا والدومينيكان والسلفادور ونيكاراغوا والبرازيل وغيرهم حيث نجد تطبيق النظرية الأمريكية للسياسة الخارجية بالقضاء على التفاحة الفاسدة بالعرف الأمريكي، وذلك خوفاً من أن تفسد البقية وتنشر العدوى، والمقصود بالتفاحة الفاسدة هنا هي الدولة التي تسعى لإصلاح سياسي أو عسكري أو اقتصادي يتنافى مع أهداف وتخطيطات واشنطن للعالم، فتقوم أمريكا بالتخلص من هذه التفاحة على طريقتها الخاصة، ولا مانع إن داست الديموقراطية -التي تدعيها- بقدميها في طريقها لتحقيق هذا الأمر.

وفي هذا الشأن لا تختلف حالة تركيا ولا حالة رئيسها رجب طيب أردوغان كثيراً عن باقي هذه الدول التي استعرضتها لا بل تجمع العديد من خصائص هذه الدول سابقة الذكر والتي ألبت واشنطن عليها. مما يرجح أن تعيد أمريكا طريقة تعاملها مع تلك الدول في محاولتها لتطويع تركيا. وفي هذا الصدد لا يخفى على أحد أن العديد من الصحف أكدت خلال العام الماضي أن أمريكا كانت تدعم محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان بشكل غير مباشر.

في النهاية لا شك أن القيادة التركية تعي ما يُخطط ويُدبر لها، ولولا هذا الأمر لما نجحت في السيطرة على محاولة انقلاب العام الماضي وإجهاضها في ساعاتها الأولى، وليست هذه التدوينة إفراطاً في التشاؤم أو نوعاً من السوداوية بل عرضٌ وتذكيرٌ بأحداثٍ تاريخية تُؤخذ منها العبر والدروس التي تفيدنا في حاضرنا ومعرفة ما قد يحدث في مستقبلنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.