شعار قسم مدونات

مقامة الحصار

مدونات - قطر

فجأة، وفي رمضان، ومن غير أي إنذار أو سابق إشعار او إعلان، وقع ما لم يكن قط في الحسبان، فقد دُبر أمر بليل في أحد بيوت الجيران، وعند السَّحَر، والناس في اطمئنان بين نيام وقيام أُعلن حصار من أقرب الجيران، وصُدِم الجميع بصدور بيان!! هكذا على حين غرة أَعلن "الاشقاء" الحصار، وأغلِقت -بغتة- كل الطرق البرية والجوية والبحار، وكأنها طبول حرب قد دُقت، ولا مجال لفِرار! إن الغريب حقا، بل إن العجب العجاب، أن الحصار قد ضرب بدون أي سبب معقول أو مقبول من الأسباب، اللهم إلا حديث متهافت عن "الإرهاب"، يخفي رغبتهم الدفينة في خلق فوضى وانقلاب !

هكذا يا سادتي الأعزاء ويا كرام، أُعلِن الحصار الجائر في شهر الصيام، وعلى الفور تم تشتيت الأسر وتقطيع الأرحام، بدون أدنى احترام لتعاليم الإسلام، وحُددَت مهلة الرضوخ والخضوع و"الاستسلام"، فقط في عشرة أيام! ولحُنُوّهم وشفقتهم زاد "الاشقياء" يومان!!

لقد تجاوز الجيران كل الخطوط الحمراء، ورفع المتضررون الأبرياء أكف ضراعتهم إلى السماء، وتوجه المظلومون لخالقهم بالدعاء، فقد فرق المحاصرون بين الأسر وشتتوا الأقرباء، وحولوا عيشهم الرغيد من سعادة واستقرار وهناء إلى معاناة ونكد وشقاء، بل منعوا عنهم حتى التعاطف الأخوي وإبداء أي مودة أو وفاء!! بل إنهم قد حرموهم من تتبع أخبار ذويهم عبر شبكة "الجزيرة" أو وكالة الأنباء!!

هل ستقرع طبول الحرب قريبا ويتم الاجتياح ويلتحم الصفان؟ هل سيتغلب التهور مجددا وتختفي أخلاق الفرسان؟ هل سيُصَدّق العالم كل تلك الأكاذيب والافتراءات والبهتان؟

هكذا عصف "الأشقاء" بكل التقاليد القبلية، وعبثوا بكل المواثيق الإنسانية، وتخطى الجيران كل الأعراف الدبلوماسية، بل قد منع الناس عن ممارسة شعائرهم الدينية، وأُقحمت مناسك الحج والعمرة عنوة في غمرة الخلافات السياسية، مما أغاظ كل الشعوب الحرة والعربية والإسلامية، بل قد أمسى المقاطِعون مثار استهزاء واستهجان وسخرية! وحمدا لله على أن النتائج جاءت عكسية!!

ولكن قُبيل إعلان الحصار، وبأسلوب هوليولودي وعلى طريقة المخرجين الكبار، نُفذت "غارة" خاطفة حبست الأنفاس وأدهشت الأنظار، كان بطلها امرأتان وأحد صناديد العلوج من الكفار! فيا ليت شعري كيف غار اللئيم على بيت مال المسلمين، جهارا نهارا أمام الحُماة وأعين الناظرين، متمايلين أمام إيفانكا واللصوص مرحبين راقصين! السيوف بأيديهم مُشرَعة، ولكنهم بالدف ضاربين! وما أن قفل الغازي وهَمّ بمغادرة الديار، محملا بالذهب والدرهم والدولار، حتى أعلن الأشقاء "الأوفياء" الحصار! ودخلت "غارة إيفانكا" التاريخ الحديث بقيادة كبير الكفار!!

هكذا يا سادتي العزاء ويا كرام، أُعلِن الحصار في شهر الصيام، وعلى الفور تم تشتيت الأسر وتقطيع الأرحام، وحُددت مهلة الرضوخ والخضوع و"الاستسلام" التام، فقط في عشرة أيام! ولشفقة "الأشقاء" أضيف على المهلة العُشرية يومان!!

فيا إلهي، ها قد انتهت المهلة العشرية المحددة وانقضى اليومان، ووضع العالم أجمع يده على قلبه في انتظار بيان، فما عساه السيسي يفعل بنا ومن ورائه ملكٌ لبحرين ومحمدان اثنان؟!! هل ستقرع طبول الحرب قريبا ويتم الاجتياح ويلتحم الصفان؟ هل سيتغلب التهور مجددا وتختفي أخلاق الفرسان؟ هل سيُصَدّق العالم كل تلك الأكاذيب والافتراءات والبهتان؟ أم سيصدر بيان رصين هذه المرة وينتهي الحصار ويختفي الاحتقان؟ هل سيستمع القادة الشباب لصوت الرشد أخيرا أم سيفعلها المحمدان؟!

إنه الصراع الأزلي بين غباء الاستبداد وسُمُوّ الرّشد والسداد! إنه الصراع الأبدي بين الصلاح والذكاء والرشاد، ضد البلادة والرعونة والتهور والفساد!

لقد منعوا عنا الحليب والخضار والفواكه والغذاء، وحرمونا من التنقل المريح عبر البر والبحر وغَلّقوا الأجواء، بل وصل الأمر إلى منع "التعاطف" والمودة بين الأخوة والوفاء، ولحسن الحظ قد أفلت الماء من المنع وكذا الضياء والهواء!! فيا ليت شعري ماذا يخفي هؤلاء الإخوة الأعداء؟!! وماذا ننتظر من الأشقاء بعد كل هذا الشقاء الذي خلفوه والعناء؟!

لقد حبس العالم أنفاسه منتظرا صدور البيان! فما عساه يحمل بين طياته ذلك البيان؟! ويا لفرحتي!! فقبيل صدور البيان وصل اتصال من كبير الأمريكان، يوصي بالحوار وإيصال الخلاف إلى بر الأمان، فكان ما كان وما لم يكن في الحسبان!!

فقد كان العالم أجمع يتوقع ابتلاع الدوحة في لحظة من الزمان، مع ضربة جوية خاطفة لإيران وعاصمة الشر والإرهاب طهران، وذلك مع إخلاء عاجل لجيوش الحليف المغامر أردوغان! كان العالم حقا ينتظر "التأديب" القاسي لقطر وإنزال العقاب، وتلقين درس للمارقة على دعمها وتمويلها للإرهاب! وكذا تدخلها السافر في شؤون الجيران والأحباب والأصحاب!

undefined

ولكن بعد طوال انتظار العالم لما سيسفر عنه قرار "الأعراب"، صدر بيان أثار المزيد من الاستهجان والاستغراب!! فسقط في أيديهم جميعا وبُهتوا وفَشل الانقلاب !!فبعد ذلك التقطيع غير المسبوق للأرحام، وذلك الصد القاسي للمعتمرين عن البيت الحرام، كان الكون يتوقع فعلا ما لم يكن في الحسبان! ولكنها "الحكمة" قد غلبت أخيرا وصدر بيان ثم بيان، والقاسم بينهما أنهما بيانان يتيمان بائسان، يثيران بأسلوبهما الركيك الاستهزاء والاستهجان !!

ولمن لم يفهم مثلي غرابة قصة هذا الحصار، فإليه الحكاية كاملة في كلمات وبكل اختصار، إنها يا صاحبي قصة صراع أزلي بين ذكاء "الصغار"، وغباء وغرور "الكبار" ! بل إنها لعمري قصة تغول وتهور "الكبار"، واستئثارهم بالتآمر على الناس بعيدا عن الأنظار، وإخفائهم ما عظم من الأضرار والأخطار والأشرار، إنهم يهتكون الأستار سرا ويَدْعون جهرا إلى التعاون والحوار، يَدَّعون النبل علانية وأخلاق الشيوخ الكبار! ويكتمون ما يجلب الذلة والمهانة والصَّغار!

إنه الصراع الأزلي بين غباء الاستبداد وسُمُوّ الرّشد والسداد! إنه الصراع الأبدي بين الصلاح والذكاء والرشاد، ضد البلادة والرعونة والتهور والفساد! إنها لعمرى معركة أزلية بين من نجح في كسب عقول وقلوب العباد، ومن يغيظهم ذلك من المغرضين والمتربصين والحساد!!

بعد كل هذا التآمر المكشوف وهذا الحصار، مَن مِن الدول "الصغيرة" اتخذت مكانها المرموق في القمة بين الكبار؟ وكم مِن الدول "الكبيرة" اهتزت فهوت إلى سفح تستحقه بين الصغار؟!

وأخيرا يا سادتي الكرام ويا أيها القراء، بالله عليكم، من ذا الذي رأيتموه يتمتع بالرُّشد والسداد والذكاء، ومن منهم يتخبط في التهور والجهالة والغباء، بالله عليكم أصدقوني القول أيها الأعزاء، من ذا الذي أبهر العالم بحكمة ورزانة وتواضع ودهاء؟! ومن ذا الذي ترَبّع على عرش الرعونة والغرور والاستغباء؟!!

ألم أقل لكم إنها معركة بين غباء وذكاء، وأنه صراع أزلي يخوضه "حرس قديم" جديد من الأغبياء، ضد فريق فتي متألق من الأذكياء!! فهل رأيتم يوما انتصار غارق في بحر هائج من الغباء على سابح ماهر في نهر هادئ من الذكاء؟! لن ينتصر "الكبير" دوما خصوصا إن كان من الأغبياء! ولن ينهزم "الصغير" يوما إن كان من الأذكياء!

سؤال أخير: بعد كل هذا التآمر المكشوف وهذا الحصار، مَن مِن الدول "الصغيرة" اتخذت مكانها المرموق في القمة بين الكبار؟ وكم مِن الدول "الكبيرة" اهتزت فهوت إلى سفح تستحقه بين الصغار؟!! أخبروني بصدق: مَن مِن الدول "الصغيرة" ازدادت رفعة بعزة وكرامة وشهامة شدت الأنظار؟!! وكم من الدول "الكبيرة" المُهروِلة جلبت -بتقربها من "العدو"- الذل والعار؟!

ما على العالم الآن إلا أن يرحب بقطر في نادي الكبار، وليسمح للمحاصِرين بأخذ اماكنهم بين صناع النكسة والمهرولين المتهورين الصغار، وليهتف الجميع: المجد للصامدين وللمقاومين الأحرار، وليسقط الحصار..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.