شعار قسم مدونات

في تعريف الإرهاب

blogs الإرهاب

تصور أنك لم تسمع يوما بكلمة الإرهاب، وأن كل الحروب والنزاعات والاعتقالات التي حدثت وتحدث باسم محاربة الإرهاب غير موجودة. لا أعني هنا عدم وجود عنف ضد دولة أو جماعة أو أفراد بشكل يثير مشاعر الخوف والذعر، لكنني أعني تلك الكلمة الغامضة المبهمة التي بدأ تداولها بشكل مكثف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبشكل يبدو وكأنها كانت مُعدة سابقا وتنتظر فقط الفرصة المثالية للظهور ثم الانتشار الرهيب.

 

كلمة تثير مشاعر الخوف والشك أكثر مما تستدعيه من التفكير العميق في أسباب وجود فكرة إلحاق الأذى بأكبر عدد من الأبرياء، فكلمة الإرهاب باتت الأكثر ترديدا في نشرات الأخبار والأكثر حضورا في كل اللقاءات السياسية وحتى في الحملات الانتخابية في الغرب كما في الشرق، أصبح العالم كله يحارب الإرهاب من دول ومنظمات ومواقع الكترونية وإعلام.

لا أتصور أن هناك إنسانا عاقلا يقبل بأعمال العنف من تفجيرات للمباني أو الكنائس أو المساجد أو القطارات أو الطائرات مهما كانت الأسباب والدوافع، وكل ما يترتب عنها من قتل للأبرياء وتدمير للبنى وما تثيره من مشاعر الألم والخوف والشك. فهي بالتأكيد أعمال متوحشة في حق الإنسانية جمعاء. لكن ماذا لو تعامل العالم المتحضر معها باعتبارها أعمال عنف صادرة عن أشخاص أو جماعات، ولم يسقط بشكل مقصود أو غير مقصود في فخ التعميم وشيطنة قوميات أو دول بكاملها أو حتى حركات تحررية، فالعنف بكل أشكاله وفظاعاته وماٌسيه ليس جديدا على البشرية.

 

هناك الكثير من المستفيدين من الغموض واللبس الذي تحمله كلمة الإرهاب وقوتها في إسكات كل المدافعين عن حقوق الإنسان وتبرير الكثير من الحروب

والقضية تحتاج إلى الدراسة والتفكير والتأمل أكثر مما تحتاج إليه من قوة السلاح، فهي حرب ضد فكر يجعل من يتبناه لا يهاب الموت، بل يتمناه بطريقة ما وليست حربا ضد جيش منظم. وأفضل سلاح لمواجهة الفكرة هي الفكرة القوية والسليمة والمقنعة. 

في كل الدول، هناك مؤسسات مهمتها محاربة الإرهاب تُرصد لها ميزانيات ضخمة، وفي الأمم المتحدة هناك لجنة مكافحة الإرهاب، ومن بين أهم استراتيجياتها تحقيق احترام حقوق الإنسان للجميع وسيادة القانون، لكنها استراتيجيات تبقى مع الأسف حبيسة في التقارير والأروقة ، أما على أرض الواقع فقد حدثت حروب مدمرة وشاملة ضد دول كأفغانستان والعراق وقصفت الكثير من البلدات بشكل عشوائي بدعوى وجود إرهابيين وبدون أدني احترام للقانون الدولي أو لحقوق الإنسان ،حروب خلفت دمارا شاملا وعددا كبيرا من القتلى والمشردين واللاجئين، كما ان هناك اعتقالات يومية وإعدامات في الكثير من الدول ضد معارضين بتهمة دعم الإرهاب وهي تهمة أصبحت مطاطة تشكلها كل سلطة حسب احتياجاتها ،كما أن هناك ازدواجية في التعاطي مع الأعمال الإرهابية، فالزخم والتحرك السياسي أو الإعلامي الذي تثيره أحداث العنف في باريس أو لندن أو برلين يكون أكبر بكثير مما تثيره أحداث في نيروبي أو أبوجا أو أبيدجان، كأن الإنسانية درجات ومراتب.

نحتاج اليوم بشكل ملح وسريع لوضع تعريف قانوني دولي موحد لكلمة الإرهاب، كي لا يستمر استغلالها لأهداف مختلفة، والذي غالبا ما يكون في صالح من يملك القوة أو الدعم السياسي الخارجي وليس في صالح من يملك الحق، كما يجب على المؤسسات الدولية أن تستعين بالمختصين والباحثين من كل الدول والقوميات والخلفيات الثقافية والدينية لدراسة الإشكالية ووضع وتعيين الاستراتيجيات المناسبة لمعالجتها ثم بحث سبل تفعيلها على أرض الواقع ودراسة نتائجها، لأن المقاربة العسكرية والسياسية أثبتت فشلها بل وساهمت في تفاقم الوضع الأمني والإنساني والاجتماعي وتوسيع هوة الخلاف والصدام بين مختلف القوميات.

إن الحرب على الإرهاب أصبحت تبدو وكأنها المشكل الوحيد في العالم الذي يحتاج باستمرار إلى المزيد من الجهود والإمكانيات، وهو ما يساهم في تجاهل الكثير من المشاكل والتحديات الكبرى

دُمرت الكثير من الدول وحُوصرت أخرى وصُنفت الكثير من المنظمات في خانة الإرهاب حتى وإن لم يثبت يوما أنها استعملت العنف أو هددت به، أو التي كانت مهمتها المعلنة منذ ما قبل عصر الإرهاب محددة في مقاومة المحتل، وهو ما يثبت أن هناك الكثير من المستفيدين من الغموض واللبس الذي تحمله الكلمة وقوتها في إسكات كل المدافعين عن حقوق الإنسان، وتبرير الكثير من الحروب وإبرام صفقات الأسلحة، وتمرير قوانين لا تحترم أدنى مقومات العدالة الحقيقية.

إن الحرب على الإرهاب أصبحت تبدو وكأنها المشكل الوحيد في العالم الذي يحتاج باستمرار إلى المزيد من الجهود والإمكانيات، وهو ما يساهم في تجاهل الكثير من المشاكل والتحديات الكبرى التي تحتاج لاهتمام أكبر، كالفقر والمجاعة والأمراض الفتاكة واضطهاد الأقليات ومشاكل البيئة وتغير المناخ، ومشاكل العبور بين الدول والانهيارات المالية وهيمنة الشركات الكبرى، فهناك قدر هائل من الفوضى والعنف والانقسامات، وبالتالي فإننا نحتاج لرؤية واعدة لمستقبل أفضل، مستقبل بدون معاناة وبدون إرهاب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.