شعار قسم مدونات

الصراع ولوائح الإرهاب

blogs - حزب الله عند انتهاء مواجهات عرسال
– حزب الله وهيئة تحرير الشام:
طافت على السطح في الأيام الأخيرة أخبار الصراع بين هيئة تحرير الشام وحزب الله اللبناني في منطقة عرسال اللبنانية، دفعني الخبر لإجراء مقارنة بين طرفي القتال، لأجد أن هناك قواسم مشتركة وأخرى مختلفة بين الطرفين، الطرف الأول "حزب الله" تنظيم سياسي شيعي عسكري متواجد في لبنان، و"الطرف الثاني" هيئة تحرير الشام" تنظيم سنّي مقاتل في سوريا.

– النشأة على قوائم الإرهاب:
نشأ الطرف الأول "حزب الله" وهو حزب شيعي لبناني في خضم الحرب الأهلية اللبنانية وسط صراع مع عدة قوى وأحزاب ومنظمات أخرى، وكان مدعوماً من إيران، ليكون فيما بعد من أكبر المنظمات العسكرية في لبنان، ولاحقاً طالت ذراعه للقتال دعماً لحلفاء إيران في سوريا والعراق، وهنا تبدأ أولى نقاط التشابه مع الطرف الثاني "هيئة تحرير الشام" والتي نشأت في خضم الثورة المسلحة في سوريا ووسط صراع بين قوى خارجية وداخلية كثيرة، مع اختلاف عنصر الدعم الذي تفتقده الهيئة من أي دولة سنية بالمقارنة مع الحزب الذي تدعمه إيران عسكرياً وسياسياً ومادياً، بل على العكس فإن هناك دولاً سنيّة تقوم بمحاربة الهيئة بذرائع عدّة وعلى رأسها انتماء قيادات الهيئة السابق لتنظيم القاعدة المصنف على قوائم الإرهاب العالمية، وهو ما تنكره هيئة تحرير الشام التي سبق لنواتها الأولى "جبهة النصرة" أن أعلنت فك ارتباطها عن القاعدة، وهذا ليس خلاف جوهري بين الطرفين، فالحزب أيضاً موجود على لوائح الإرهاب الأميركية ومع ذلك إيران تدعمه بكل قوتها غير آبهة بلوائح الإرهاب.

ما سر قوة الطرف الأول "حزب الله" وما سر ضعف الطرف الثاني "هيئة تحرير الشام"؟ قد يكون أحد الأجوبة هو القاعدة الشعبية التي يمتاز بها الحزب، وهي من عموم الشيعة في لبنان.

وبالعودة للطرف الأول الذي سيطر على مفاصل مهمة في الدولة اللبنانية بعد حربه الأخيرة مع إسرائيل قبل سنوات، ولكن هذه المرة ليس بدعم إيران فقط بل كان بدعم شعبي من عموم الشيعة في لبنان، وهذه النقطة كانت على خلاف الطرف الثاني "الهيئة" التي بدأت قبل أيام بالقوة للسيطرة على محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة عدة فصائل عسكرية معارضة لنظام الأسد، وبدأت معركتها مع أكبر فصيل وهو "حركة أحرار الشام"، ولكن لم تلق دعماً شعبياً كبيراً في خطوتها الهادفة ربما لتكون القوة السنية الوحيدة في الشمال السوري، بل لاقت هذه الخطوة استياءً كبيرا على وسائل التواصل الاجتماعي من عموم نشطاء الثورة وبعض منظري التيارالسلفي المتعاطفين من حركة أحرار الشام.

– الحاضنة الشعبية وتشابه الذرائع:
هنا يتبادر للذهن تساؤلات عديدة تحتاج إلى أجوبة.. ما سر قوة الطرف الأول "حزب الله" وما سر ضعف الطرف الثاني "هيئة تحرير الشام"؟ قد يكون أحد الأجوبة هو القاعدة الشعبية التي يمتاز بها الحزب، وهي من عموم الشيعة في لبنان، بل وكان الكثير من السنة يدعمون الحزب قبل انطلاق الربيع العربي ووصوله إلى سوريا التي كانت آخر المحطات في هذا الربيع والذي دفع الحزب للزج بكل قوته العسكرية والبشرية للوقوف في صف النظام السوري، مع ذلك ازدادت شعبية الحزب أكثر وسط عموم الشيعة وبالطبع خسر شعبيته السنية. وهنا يجب العودة إلى "الهيئة" لاستكمال هذه المقارنة والتي عملت جاهدة لكسب ما تستطيع من الشعبية وسط عموم السنة في الثورة السورية، ولكنها اليوم تجد نفسها أمام أكبر تحدٍ لها بعد هجومها الأخير للإطاحة بحركة "أحرار الشام" التي هي الأخرى لها قبول شعبي كبير وسط الثورة السورية وتتمتع بقبول إقليمي من بعض الدول وعلى رأسها "تركيا". وقبل أن تنتهي الهيئة من هذه الخطوة، تصاعدت لهجة الاستنكار والتهجم عليها من قبل كثير من نشطاء الثورة ورموزها وكانت لهم العديد من الحجج في هجومهم وتصعيدهم.

الحزب يرفع شعارات المقاومة والعداء لإسرائيل وأمريكا نفسها، وكانت إحدى أهم عملياته التي لا تنساها أمريكيا عندما قام الحزب بنسف مقر القوات الأمريكية والفرنسية في لبنان.
الحزب يرفع شعارات المقاومة والعداء لإسرائيل وأمريكا نفسها، وكانت إحدى أهم عملياته التي لا تنساها أمريكيا عندما قام الحزب بنسف مقر القوات الأمريكية والفرنسية في لبنان.

قال البعض إن الهيئة مصنفة على لوائح الإرهاب الأمريكية وبهذا لن يكون هناك رضى دولي على وجودها، وهو ما اعتبروه ذريعة دولية لإنهاء آخر بندقية تقاتل في الثورة السورية، وهذه الذريعة تحديداً تتشابه كثيراً مع الحزب فهو الآخر مصنف على لوائح الإرهاب الأمريكية ولكن بالمقابل لم نسمع أصوات شعبية وسط شيعة لبنان تدعوه للتراجع عن الواجهة ورفع هذه الذريعة بل على العكس فقد ارتفعت الأصوات أكثر بالدعم والتطوع للقتال في صفوف الحزب، وعمد الحزب لتجاهل هذه الذرائع على عكس الهيئة التي تحاول سدّها.

فالحزب يرفع شعارات المقاومة والعداء لإسرائيل وأمريكا نفسها، وكانت إحدى أهم عملياته التي لا تنساها أمريكيا عندما قام الحزب بنسف مقر القوات الأمريكية والفرنسية في لبنان عام ١٩٨٣ التي قتلت ٣٠٠ جندي أمريكي وفرنسي، أما الهيئة فلم ترفع سوى شعارات العداء لنظام الأسد والمفترض عدائه لأمريكا وإسرائيل، وكفّت عن رفع الشعارات الصريحة بالعداء لأمريكا، وأعلنت فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة العدو الأول لأمريكا وصرحت بأنها هيئة تقاتل فقط ضمن حدود الخارطة السورية التي إخترق حدودها الطرف الأول!

– الهيئة إلى أين؟
ربما يتضح للجميع أن الصراع في المرحلة القادمة ستكون هيئة تحرير الشام جزء أساسي فيه، هنا سأختم كلامي بأسئلة وربما لا أملك الإجابة عن بعضها: هل ستصل الهيئة إلى هدفها لتكون البندقية الوحيدة في هذه الثورة؟ هل ستحظى الهيئة بدعم شعبي سنّي كما حظي به الحزب عند الشيعة؟ هل ستجد الهيئة دولة سنّية قوية تدعمها كما دعمت إيران الحزب؟ الأيام كافية بالإجابة على كل هذه التساؤلات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.