شعار قسم مدونات

سنحتطب الغرقد

blogs - أفراد من الجيش الأردني
معادلات الانتصار أو الانكسار، الكرامة أو الذل، التحدّي أو الاستسلام.. تختصر بسطر واحد: الأبطال والشهداء من يصنعون المجد، والسياسيون من يساوم عليه! الكرامة ليست بحاجة إلى يوم لنذكرها.. الكرامة هي امتحان يومي نقدّمه، وصلاة الكبرياء التي لا يثنيها الركوع أبدا، لذا سأسرد أربع قصص لأربعة أبطال لا يمكن أن تنساهم ذاكرة الوطن ولا ذاكرة الجيش العربي "الأردني" العظيم، وهم نماذج عشوائية لقصص كثيرة بعضها مدوّن في كتب التاريخ التي أتى ذكرها على حروبنا الثلاثة وبعضها يتم تناقله شفهياً من الأولاد إلى الأحفاد وفي حواديث الناس عندما تهتزّ شجرة الكرامة، الأبطال ليسوا "جنرالات" في الجيش ولا قادة، هم جنود بسطاء لا يعبّرون عن عشقهم وإخلاصهم للوطن ولفلسطين إلا بأرواحهم وأعمارهم وأجسادهم النازفة..

مصطفى جدعان الخرشة.. جندي أردني شارك في حرب حزيران 1967 متمترساً خلف مدفعه البدائي في مواجهة الدبابات الإسرائيلية المتطورة، لم يترك "المدفع" البسيط بحجّة أن الكفّ لا تواجه المخرز، بل صمم على القتال ولو بسكين كما قال.. استطاع هذا الجندي الأردني البدوي من حرق 4 دبابات إسرائيلية وظل يقاتل حتى نفدت ذخيرته وأصيب فوقع أسيراً في يد جيش العدو، وقتها سمع موشيه ديّان أن جندياً أردنياً كان يقاتل بضراوة رغم ضعف إمكانات جيشه ونفاد ذخيرته، وقف أمامه ليرى من أي شيء قد جُبل هذا المخلوق.. فلم يخضع أو يذلّ أو يتوسّل إطلاق سراحه بل وصف عدوّه بأبشع الصفات وذكّره أن جيشه جبان وأن الحرب كر وفرّ، فقال: (ترجم يا مترجم واسمع يا أعور.. جيشك جبان، إلك عندنا يوم، والحرب كر وفر واليوم إلك وبكره عليك). كما كتب الراحل محمد حسنين هيكل "وزير إعلام مصر في ذلك الوقت" مقالاً في الأهرام عن شجاعة أبي جدعان.. وبعد شهور تم إطلاق سراح بطلنا بصفقة تبادل أسرى استقبله في قاعدة المفرق العسكرية.. الملك حسين بن طلال.

نحن أبناء وصفي والخرشة وغسان حجازين وشويعر والعزيزات ومشهور الحديثة وآلاف الأبطال.. نحن لا نثنى ولا نكسر ولا نلين... المعركة طويلة في الغد وبعد الغد
نحن أبناء وصفي والخرشة وغسان حجازين وشويعر والعزيزات ومشهور الحديثة وآلاف الأبطال.. نحن لا نثنى ولا نكسر ولا نلين… المعركة طويلة في الغد وبعد الغد

البطل غسّان حجازين أردني مسيحي أحد أبطال معركة الكرامة في عام 68، كان يقوم بزرع الألغام المضادة للأفراد في منطقة الشونة الجنوبية، فانفجر فيه أحد الألغام وفقد يديه الاثنتين بعد تلقيّه العلاج، أحيل على التقاعد لكنه رفض ذلك وأصرّ على الخدمة العسكرية في إحدى مؤسسات الجيش، فالجيش في ضمير الأردنيين عقيدة مثل الاسم والوسم وشهرة العائلة لا يمكن التنازل عنه حتى في الموت..

اسمحوا لي أن أفسد فرحة "نتيناهو" وإدارته قليلاً بعد أن تمكن من كسب جولته السياسية أمام نظرائه المرتعدين… فمعركتنا طويلة طويلة.

المقدم صالح عبد الله شويعر كان يقود مدرعة أردنية في مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني مدجّجاً بالثأر لرفاق السلاح الذين استشهدوا في حرب 48، وتمكّن البطل الأردني ومن معه من تدمير عدد من المدرعات، وقتل عدد من الجنود الإسرائيليين، وعندما نفدت الذخيرة أيضاَ بسبب قطع خطوط الإمداد، قاد مدرعته بسرعة كبيرة وقام بصدمها بمدرعات جيش العدو وذلك أقوى الإيمان في الدفاع عن الوطن والمقدسات، لم يستسلم ولم يستسلم رفاقه أيضاَ فجعلوا الحديد يناطح الحديد.. حتى تم قصفهم بالطيران الإسرائيلي ورميهم بقنابل النابالم ليستشهدوا جميعاً برؤوس مرتفعة…

الطبيب الأردني نورس اليعقوب العزيزات، في اليوم الثاني من حرب حزيران رفض مغادرة الموقع الذي يعالج به رفاقه الجرحى رغم الخطر الذي كان يحيق بهم، وأصرّ أن لا حياة ولا موت إلا معهم واستمر في واجبه الإنساني من إسعاف وتطبيب وجراحة، إلى أن استشهد بعد أن قصف الطيران الإسرائيلي المستشفى الميداني التابع للواء المدرّع الأربعين الأردني، وقد دفن الطبيب الشجاع في كنيسة الزبابدة في جنين قبل أن تنقل رفاته إلى مسقط رأسه – مادبا – في نفس العام.

قمت بسرد هذه القصص فقط لأؤكّد لكل المصدومين والمحبطين والمقهورين، أن الطبقة السياسية التي تفاوض وتوقع وتعقد الصفقات لا تمثل وجدان الشعب الأردني، فهناك انفصال وانفصام في الرؤى والتوجّه.. الشعب الأردني نسخ مليونية من هؤلاء الأربعة.. الشعب من نسل الجيش الذي لا يصافح ولا يسامح إلا أن يقول كلمته على الأرض بعد أن يسترد بيرق كرامته.. لذا اسمحوا لي أن أفسد فرحة "نتيناهو" وإدارته قليلاً بعد أن تمكن من كسب جولته السياسية أمام نظرائه المرتعدين… فمعركتنا طويلة طويلة.. نحن أبناء وصفي والخرشة وغسان حجازين وشويعر والعزيزات ومشهور الحديثة وآلاف الأبطال.. نحن لا نثنى ولا نكسر ولا نلين… المعركة طويلة في الغد وبعد الغد.. كن أو لا تكن مطمئناً هذا لا يعنينا، ففؤوسنا تحت رؤوسنا.. ونعدكم أننا سنحتطب الغرقد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.