شعار قسم مدونات

تفاهمات حماس دحلان.. مصالح لا مصالحة

مدونات - حماس ودحلان
يكثر في هذه المرحلة الحديث بين رافض ومرحب بالتفاهمات التي أبرمت مؤخرا بين حركة حماس والمخابرات المصرية في القاهرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بكون هذه التفاهمات مرتبطة بالقيادي المفصول من فتح محمد دحلان والذي طرد من قطاع غزة بعد الحسم العسكري، وعلى الرغم من إعلان جهات مقربة من دحلان عن اللقاء بوفد حماس في القاهرة الذي ترأسه يحيى السنوار قائد حماس في غزة، إلا أن حماس نفت لقاء دحلان، لكن المتابع لما تناقلته وسائل الإعلام ربما تكون هناك لقاءات غير مباشرة بين الطرفين، خاصة أنه كانت هناك تفاهمات سابقة بين حماس ومصر ودحلان أدت إلى فتح معبر رفح لعدة أسابيع أمام دخول وخروج أهالي القطاع.

هذه التفاهمات بين حماس ومصر التي لا يزال جزء كبير منها غير معلن في حين على الأرض تجري بعض الترتيبات على قدم وساق، ابتداء بدخول مادة السولار المصري إلى قطاع غزة من خلال معبر رفح لتشغيل محطة الكهرباء وصولا إلى بناء منطقة عازلة بين القطاع ومصر بما يضمن تحقيق الأمن في سيناء المصرية وذلك تمهيدا لفتح معبر رفح، وكذلك ما تم تداوله في العديد من وسائل الإعلام عن ارتياح مصري لسير تطبيق التفاهمات والتي من شأنها تخفيف الوضع الإنساني المتأزم في القطاع بفعل الحصار الصهيوني المتواصل للسنة الحادية عشر.

بالعودة إلى الوراء زمنيا عدة أشهر بالتحديد عند انتخاب يحيى السنوار قائدا لحماس في قطاع غزة، وما تلى ذلك من تلميحات إلى أن القيادي العسكري والأسير المحرر سيكون أقرب إلى الحرب مع الاحتلال من الاهتمام بالوضع الداخلي الإنساني في قطاع غزة، كذلك سعى الإعلام الصهيوني إلى ترويج رسائل الحرب مع قطاع غزة بعد انتخاب السنوار، بذلك يهدف إعلام الاحتلال إلى خلق حالة من الرعب لدى سكان القطاع بأن القادم أسوأ في عهد السنوار وأشد وقعا من الوضع خلال فترة قيادة إسماعيل هنية..

دحلان يسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية وشعبية على حساب محمود عباس في ظل الخلاف بين الطرفين على قيادة حركة فتح، ولا يضير حماس أن تستغل هذا الخلاف بين طرفين أحلاهما مر.

إلا أن رئاسة يحيى السنوار لوفد حماس إلى تفاهمات القاهرة قلبت الطاولة في دليل واضح أن السنوار يعطي أهمية كبيرة لتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة من خلال العمل على انهاء الحصار وفتح معبر رفح وإعادة الإعمار لإدراكه تماما أن تحسن الوضع في القطاع سيفتح المجال أمام المقاومة لتطوير قدراتها العسكرية والاستعداد للمعركة القادمة مع الاحتلال دون أية أزمات داخلية في قطاع غزة قد تحول بين المقاومة وتطويرها، خاصة بعد الاختبار الأول لقيادة السنوار باغتيال الموساد الصهيوني للشهيد مازن فقهاء في القطاع في تحد واضح للسنوار ولإشغاله بالمعركة مع الاحتلال وصرفه عن الوضع الإنساني وأزمة قطاع غزة والحصار.

ولاشك أن دور سلطة محمود عباس والشراكة مع الاحتلال في حصار قطاع غزة وتصاعد الهجمة على أهالي القطاع مؤخرا بأشكال مختلفة من خصم رواتب الموظفين وفرض ضرائب على مادة السولار ومطالبة عباس للاحتلال بخفض كميات الكهرباء عن القطاع، وصولا إلى منع التحويلات لمرضى القطاع للعلاج في الخارج الأمر الذي أدى إلى وفاة العديد منهم وخاصة الأطفال الرضع، كل هذه المحاولات من قبل السلطة تهدف إلى إحداث ثورة شعبية في القطاع ضد حماس والمقاومة، هذا الامر الذي عجز عنه الاحتلال الصهيوني منذ فوز حماس والمقاومة بالانتخابات التشريعية وانقلاب السلطة عليها، كذلك الاحتلال فشل في تركيع المقاومة خلال ثلاثة حروب عدوانية وبقي أهالي القطاع متمسكون بمقاومتهم وخيارهم الديمقراطي.

إذا هي حرب مشتركة احتلالية سلطوية تدفع حماس إلى تكتيك جديد يضمن وضع انساني وتلبية احتياجات سكان غزة من الغذاء والدواء والكهرباء وكل مستلزمات الحياة مع التمسك بالمقاومة وتطوير قدراتها العسكرية والحفاظ على أمن القطاع ومحاربة العملاء.

كذلك اليوم في ظل الأزمة الخليجية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية عموما وعلى المقاومة وقطاع غزة تحديدا، تجد حماس نفسها أمام منعطف خطير ولابد من رسم استراتيجيات المرحلة القادمة وفق معطيات الوضع الراهن واستهداف المقاومة من قبل جبهات متعددة تصب في صالح الاحتلال الصهيوني، خاصة مشروع التطبيع العربي الإسرائيلي الذي يقوده الرئيس الأمريكي ترمب منذ قمة الرياض الأخيرة والتي بدأت ثماره تنضج من خلال وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب ومطالبة قطر بإخراج قادة المقاومة الفلسطينية منها ووقف دعم قطاع غزة كأحد شروط انهاء ما يسمى حصار قطر، والذي ينذر بكارثة إنسانية وتفاقم الوضع في قطاع غزة.

أيضا التصريحات المريبة للعديد من الأنظمة العربية وتحديدا الخليجية حول المقاومة الفلسطينية والتي تأتي تماشيا مع المشروع الأمريكي الرامي إلى تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، يجد الشعب الفلسطيني اليوم نفسه في مواجهة مشروع عربي إسرائيلي يهدف إلى محاربة المقاومة الفلسطينية ووسمها بالإرهاب وعزل الشعب الفلسطيني عن محيطة العربي والإسلامي، لترى حماس والمقاومة الفلسطينية نفسها أمام خيارات واستراتيجيات جديدة.

لذا ليس من المعيب اليوم على حماس أن تصل إلى تفاهمات مع عدو الأمس محمد دحلان في ظل ما تحدثنا عنه أنفا ووصف الوضع الحالي الذي تمر به المقاومة من استهداف واضح وكذلك ما يحاك من مؤامرات ضد قطاع غزة والقضية الفلسطينية، مع الإشارة لمن ينتقدون هذه التفاهمات إلى أن حماس قد وقعت عدة تفاهمات سابقة مع رئيس السلطة محمود عباس فيما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية لم تطبق على أرض الواقع وأعطت بذلك فرص متعددة لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية، وبالمقابل عباس هو من يقود حرب ضد حماس وأهالي قطاع غزة بشكل معلن.

بإمكاننا الحديث عن مصالح لا مصالحة بين حماس ودحلان، ومن حق المقاومة الفلسطينية أن تضمن مصالحها في إنهاء الحصار الصهيوني وإنعاش الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة.

لذلك إن تفاهمات حماس ودحلان على أساس تبادل المصالح دون تفريط بقيادة قطاع غزة والحفاظ على مكتسبات المقاومة وأمن القطاع وأن يبقى دحلان وانصاره تحت نظر الجهات المعنية في القطاع وعدم السماح له بالعودة إلى وضع مع قبل الحسم العسكري، مقابل تحسين الأوضاع الإنسانية لأهالي غزة وفتح معبر رفح والتي يتملك دحلان مفاتيح هذه الأمور.

بالمقابل أيضا دحلان يسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية وشعبية على حساب محمود عباس في ظل الخلاف بين الطرفين على قيادة حركة فتح، ولا يضير حماس أن تستغل هذا الخلاف بين طرفين أحلاهما مر، خاصة أن عباس يشن حربا وعقابا جماعيا على سكان قطاع غزة، بالتالي دحلان يسعى إلى سحب البساط والشرعية الفتحاوية من عباس كون الأخير من المحاصرين لغزة ويريد دحلان الخروج بصفة المخلص الفتحاوي لأهالي غزة من الحصار، بالمقابل دحلان تربطه علاقات قديمة متجددة بالجانب الإسرائيلي ويرى نفسه البديل للرئيس عباس مدعوما من دول عربية كالإمارات، وليس ملف غزة ومعاناة أهلها المحرك الرئيس لدحلان لإبرام هذه التفاهمات مع حماس وإن كان ذلك ظاهريا، وإنما هي ورقة يستغلها دحلان لتحقيق مصالحه في الفوز برئاسة فتح والسلطة.

لذلك بإمكاننا الحديث عن مصالح لا مصالحة بين حماس ودحلان، ومن حق المقاومة الفلسطينية أن تضمن مصالحها في إنهاء الحصار الصهيوني وإنعاش الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، لتتفرغ بشكل كامل لتطوير القدرات العسكرية وضبط الوضع الأمني في غزة، وأجزم أنها لن تسمح بالمقابل لدحلان بعودة سياسية إلى القطاع تصل إلى درجة أن ينقلب فيها مجددا على حماس التي تدير قطاع غزة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.