شعار قسم مدونات

وداعا محبوبتي (2).. قرار العودة النهائية

مدونات - اليمن

حصل يوسف على شهادته العليا من قسم الدكتوراه بجامعة أغوار الهندية، وكان فخورا بتلك الشهادة لأنها ثمار جهود بذلها استمرت لسنوات. حاول يوسف أن يعود كي يدرس في أحد كليات جامعته، لكن، مليشيات الموت حالت بينه وبين حلمه، مثلما حالت دون عودته سابقا للقاء محبوبته. حصل يوسف على عقد عمل بمدينة أكسوم في الحبشة، لكن الجامعة اشترطت أن يكون متزوج. عرض يوسف على لجنة القبول كل الأوراق التي تثبت أنه متزوج. ظن يوسف أنّه خرج من هذا المأزق. لكن، سرعان ما طلبت اللجنة منه أن يحضّر عائلته الى أكسوم.

قرر يوسف أن يلغي عقد العمل، وأن يعود إلى بلاده ويخوض غمار المواجهة مع مليشيات بن لعبوش مهما كانت النتائج. شد يوسف الرحال جوا من أكسوم إلى ظفار، ثم ركب حافلة ركاب متوجها إلى منفذ صرفيت الحدودي بين ولاية ظفار العمانية ومحافظة المهرة اليمنية. وصل يوسف إلى المنفذ اليمني فأخذ حفنة تراب بيديه وقبل تلك الحفنة وسالت دموعه حتى بللت التراب. بدأ يوسف يحاكي نفسه ويردد بمخيلته "كيف الوصول إليكِ يا أجمل ما في الكون بعد والديّ! ها أنا ذا في الحدود ولا يبعدني عنك سِوى مئات الكيلومترات. يقرر يوسف الاتصال بصديقة محمود.

يوسف: أنا بالحدود يا محمود، أريد الوصول إلى أسرتي بإقليم الجند. محمود: حسنا يا يوسف، لكن، عصابات حميقان بن لعبوش منتشرة في الطرقات الرئيسية، ومداخل الإقليم، ويمكن أن يلقوا عليك القبض ويرموك في غياهب السجون كما رموا بكثير من الأبرياء. يوسف: أبحث لنا عن حل لا بد من خوض المغامرة مهما كانت العواقب. محمود: لا عليك يا صديقي سأتصل بأبو يونس، وأبو قاسم الليل، فهؤلاء يقومون بتهريب الناس الذين طالتهم يد الأذى من عصابات بن لعبوش، ولهم علاقة جيدة بعصابة حميقان، لكنهم قد ربما يغدروا بك. يوسف: لا بد من تضحية يا صديقي، لا عليك، هذه الأسماء يبدو أنّها تحب المال ولذلك سيبيعون كل شيء مقابل المال. محمود: نعم ليسوا مؤدلجين. يبحثون عن المال، وحتى زعيمهم يبحث عن المال. يوسف: حسناً، كم يطلبوا. محمود: أربعون ألف ريال وحق الطريق عليك.

يتذكر الكل كيف قُتل أبنائهم على يد عصابات بن لعبوش، وكيف هُدمّت بيوتهم، مدارسهم، مصانعهم و مساجدهم. لم تسلم حتى دور التحفيظ من عصابات حميقان. كان الكل يعارض خطاب يوسف، لأنّ الجروح لا زالت غائرة ولم تندمل بعد.

أثناء هروب يوسف، إذا به يلقى أطفال في نقاط التفتيش، غبر شعث، أثر المرض، والفقر، والخوف وبراءة الطفولة على وجيههم. لا يعرفوا سِوى ما علمّهم أولئك الظلمة وهو شعار الموت من أجل أصحاب الولاية. يختزلون الولاية وكل شيء في شخصية حميقان بن لعبوش، الذي إذا قال كلمة فلا بد أن يتبع.

كلما وصل يوسف في نقطة تفتيش برز له أطفال يحملون كلاشنكوف أكبر منهم، فيسألوا يوسف: من أين أنت؟ فيجيب يوسف أنا من اليمن الحزين، أحمل جواز طالب، وهذه أوراقي، فيردد أولئك الأطفال، نحن لا نعرف القراءة، اقرأ اسمك ونحن نسمعك. فيقرأ يوسف بيناته كاملة وهو يتحسر على أولئك الأطفال. فبعد أن يكمل يوسف قراءة بيناته كاملة يرد عليه الأطفال فيقولوا له، لماذا تسافر إلى الهند، كنا سنعطيك دورة لمدة أربعون يوما في كهف صغير أو بين الأشجار في بطون الأودية ونمنحك براءة اختراع من سيدي ومولاي حميقان، ثم نرسلك إلى ساحات الشرف، كي تقاتل الدواعش. فيصمت يوسف ولا يتكلم.

يتحسر يوسف على مستقبل أولئك الأطفال ويردد بداخله يا الله ما الجرم الذي اقترفه أولئك الأطفال حتى ابتلاهم الله بمليشيات هذا الأبله، الذين لا يعرف أنّ عسكرة الأطفال تحت سن الثامنة عشر هو بمثابة جريمة حرب. كاد يوسف أن يصل إلى محبوبته. لكن، المخبر وشى به وبلغ ما يسمى باللجان الشعبية التابعة لحميقان بن لعبوش. تمكن يوسف من الهرب واستقر في أرض بلقيس، هناك حيث التسامح، والنخوة العربية، والكرم. يوجد في أرض بلقيس أحفاد سبأ حيث لا يظلم عندهم أحد. حاول يوسف أن يحضر محبوبته من إقليم الجند إلى إقليم سبأ حيث لا يبعد عنها سوى كيلومترات. لكن، كان يخاف عليها من الوحوش البشرية التابعة لحميقان بن لعبوش والتي تنتشر على طول الطريق وعرضها.

قرر يوسف أن يغادر إقليم سبأ ويواصل المواجهة كي يصل إلى محبوبته. يغادر يوسف منتصف الليل، وخلال مروره بالجبال الوعرة الرابطة بين البيضاء ومأرب، إذا به يتلقى اتصال هاتفي من صديقه محمود يخبره ويؤكد له أن أبناء اليمن طوقوا على كهف حميقان بن لعبوش، وما عليك سوى الإسراع إلى جبال صعدة فورا كي تشارك أبناء شعبك هذا الانتصار التاريخي ضد عصابات الظلم، والظلام، والجهل التي خرجت من أدغال الكهوف. يتوجه يوسف مباشرة إلى صعده، وإذا به يلقى يهود يمنيين قد عادوا من إسرائيل. يذكر أن حميقان بن لعبوش كان قد شردهم من منازلهم أثناء قبضته الحديدية على محافظات الشمال.

واصل يوسف المسير على الأقدام حتى وصل إلى الجبل الذي يقطن فيه حميقان وبعض مستشاريه من كهنة القرن الـ 21.عندما وصل يوسف هناك تأثر من هول الموقف . أهذا المراهق الذي نكل بنا وشردنا من أراضينا! الكل يصيح ويئن نتيجة للظلم الذي مًورس ضدهم من قبِل وحوش بن لعبوش البشرية. كان يوسف برفقة حبيبته، ودخل وسط القوم وقام بإلقاء كلمة مقتضبة يذكر فيها ابناء اليمن من يهود ومسلمين بتاريخ أجدادهم الناصع. كان يوسف يذكر بعض الأحداث التاريخية التي تؤكد تسامح اليمنيين. فيقول "كان أجدادكم لا يعرفون سِوى العفو والصفح عند المقدرة، وهذه من مكارم أبناء مهد العرب الأول".

كانت نهاية حميقان بن لعبوش تشبه نهاية الحجاج بن يوسف الثقفي، والنمرود. صحيح أن حميقان أصغر من أن يقارن بهؤلاء لكن، أعماله الإجرامية فاقت كل التوقعات.

كانت لحظات تاريخية ممزوجة بالفرح، ولذة الانتقام. وقع أقدام أبناء سبأ، وآزال، والجند، وحضرموت، وعدن، وتهامة تهز الأرض. صهيل الخيول، وبريق الخناجر اليمنية الحادة يبهر الجميع. الكل يحد سيفه وخنجره ويريد أن يغمسه في حنجرة حميقان بن لعبوش. كان يوم مشهود!

يتذكر الكل كيف قُتل أبنائهم على يد عصابات بن لعبوش، وكيف هُدمّت بيوتهم، مدارسهم، مصانعهم و مساجدهم. لم تسلم حتى دور التحفيظ من عصابات حميقان. كان الكل يعارض خطاب يوسف، لأنّ الجروح لا زالت غائرة ولم تندمل بعد. لكن، أصرّ يوسف على ضرورة إعطاء العفو لحميقان وعصابته. عفى الناس على حميقان، بعد مناشدة يوسف وإلحاحه عليهم، وما هي إلا لحظات وإذا بأحد حراس حميقان بن لعبوش يخرج من كهف صغير عرضه ثلاثة متر، وطوله ثلاثة متر وهو يبكي ويقول إن حميقان بن لعبوش يشكرهم على العفو ويطلب منهم المسامحة، ومستعد أن يقدم نفسه للعدالة.

تأثر الناس، وتذكروا كيف عفى النبي عن قبائل قريش أثناء فتح مكة. لكن، انتقمت عدالة السماء لهم فقد لدغ حميقان بن لعبوش بثعبان تحت عينه اليمنى، خرج حميقان إلى خارج الكهف وهو يصيح مالي ولأبناء اليمن، فمات على باب كهفه على مرأى ومسمع من أبناء اليمن. كانت نهاية حميقان بن لعبوش تشبه نهاية الحجاج بن يوسف الثقفي، والنمرود. صحيح أن حميقان أصغر من أن يقارن بهؤلاء لكن، أعماله الإجرامية فاقت كل التوقعات، انتهى المشهد بنصر المظلومين وساد الأمن وعادت اليمن إلى أبنائها. شارك يوسف مع أبناء شعبه في بناء ما دمرته مليشيات حميقان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.