شعار قسم مدونات

البحث عن أعور وسط عميان!

مدونات - الدوري الإنجليزي

ساعات منذ بدأ البريمرليغ من جديد، البطولة الأكثر شعبية من بين الدوريات الكبرى في أوروبا، والدوري الذي يصنفه مجاذيبه بأنه الأقوى في العالم. ورغم أن هذا الرأي أبعد ما يكون عن الواقع، لصعوبة فرض معايير واضحة وصريحة وثابتة تجعلنا أقرب إلى اختيار الحقيقة، فالفرق الإنجليزية ضعيفة جداً بالشامبيونزليغ بالسنوات الفائتة، لكن كانت هناك وجهة نظر تؤكد بأن تقارب مستويات الكبار بالدوري بمثابة نقطة محورية للحديث عن صلابة البطولة المحلية وروعتها. حتى هذا الباب لم يعد متاحاً، بسبب ضعف التنافسية مؤخراً بين الفرق الكبيرة، لدرجة أن ليستر سيتي صنع المفاجأة خلال الموسم قبل الماضي، وضمن تشيلسي اللقب الأخير منذ بدايات أبريل تقريباً.

مع كل هذه المقدمات، أعترف في النهاية بأنني أنتظر البريمرليغ، وأتابعه بشغف وأستمتع بتعليقات جمهوره عبر وسائل التواصل الإجتماعي، ربما بسبب لعبة "الفانتازي" الشهيرة، ويمكن لوفرة المدربين السوبر ستار، وبالطبع للقدرة التسويقية الضخمة لمنظمي المباريات والبطولة بالكامل، والمصادر الإعلامية الجبارة التي تغطي كل كبيرة وصغيرة تخص المباريات وما قبلها وما بعدها. باختصار هذا الدوري بالنسبة لي يشبه مصارعة المحترفين، أحبه وأحرص على متابعته رغم يقيني بكل سلبياته!

مانشستر يونايتد بعد تعاقده مع لوكاكو وماتيتش، وامتلاكه النوعية ذات الخبرة العريضة بالبطولة، يجعل مورينيو في صدارة الحالمين بمنصات التتويج.
مانشستر يونايتد بعد تعاقده مع لوكاكو وماتيتش، وامتلاكه النوعية ذات الخبرة العريضة بالبطولة، يجعل مورينيو في صدارة الحالمين بمنصات التتويج.

(1)

بعيداً عن صفقة نيمار والمبلغ الفلكي الذي دفعه باريس، لا تزال الفرق الإنجليزية ضمن أكبر الدافعين في الميركاتو الصيفي، مانشستر سيتي، يونايتد، وتشيلسي ضمن أكثر الأندية إنفاقاً رفقة ممثل العاصمة الفرنسية والنادي اللومباردي ميلان. وبعد إتمام السيتي التعاقد مع ميندي ووالكر، خرجت أصوات تؤكد بأن مجموعة بيب هي المرشح الأول للفوز بالدوري.

واجه مان سيتي مشاكل بالجملة في الموسم الفائت، من حراسة المرمى إلى أخطاء الدفاع مروراً بضياع الفرص السهلة هجومياً، ونتيجة الارتفاع الجنوني في أسعار اللاعبين حالياً، أصبح من المحال معالجة كافة نقاط الضعف الواضحة أمام بيب، لذلك اختار الفيلسوف مركزي الحارس والظهير أولاً، ليجلب إيديرسون وميندي ووالكر ودانيلو، مع خطف برناردو سيلفا بداية الصيف قبل التوحش الحالي.

لا يزال فريق بيب غير مكتمل الأركان، لأنه يلعب بالعجوز توريه كلاعب ارتكاز صريح، مع عدم جاهزية الألماني غاندوغان حتى الآن وكثرة إصاباته في المجمل، كذلك تبقى مشكلة ضعف الصناديق قائمة، وهي المعضلة التي تحدث عنها المدرب للدلالة على ضعف فريقه أمام المرمى دفاعاً وهجوماً. يقول المقربون من الرجل أنه يثق في قيادة كومباني للدفاع، وجاهزية جيسوس بعد غيابه الطويل نتيجة الإصابة، لكن في النهاية هو أمام مقامرة جديدة، لأن كومباني يتعرض للإصابة أكثر ما يلعب، بينما البرازيلي الشاب صغيراً على تحمل المسؤولية، وبالتالي يجب أن يبتعد السيتي عن شبح الإصابات المتوقعة حتى نستطيع تصنيفه كمرشح أول للحصول على الدوري!

كونتي كانتي - تشلسي (رويترز)
كونتي كانتي – تشلسي (رويترز)

(2)

علينا ألا ننسى مانشستر يونايتد بعد تعاقده مع لوكاكو وماتيتش، وامتلاكه النوعية ذات الخبرة العريضة بالبطولة، مما يجعل مورينيو هو الآخر في صدارة الحالمين بمنصات التتويج. يفضل الرجل الخاص دائماً جلب المدافعين لذلك ضم السويدي لينديلوف، مع إصراره على ضم ماتيتش، لأنه يريد محور دفاعي صريح يحمي هيريرا ويلعب بجواره، مع السماح لبوغبا بالتحرر الهجومي وشغل الفراغات في المركز 10 كلاعب وسط متقدم وصانع لعب عند الحاجة.

لوكاكو أيضاً خيار مناسب حتى يلعب على المرتدات السريعة، وفي نفس الوقت ينهي الهجمات داخل منطقة الجزاء ويستغل الكرات العرضية جيداً، وبالتالي يقدم اليونايتد نفسه كمنافس حقيقي، لكن يبقى الشك حاضراً لا محالة، بسبب المشاكل التي يواجهها مورينيو أمام الفرق التي تركن "الباص" على طريقته، وتقلل المساحات في وبين الخطوط، ليفقد نقاطاً سهلة أبعدته عن المربع الذهبي سابقاً، كذلك ارتكاب الدفاع لهفوات قاتلة لم تتغير بعد قدوم لينديلوف، أي أنه يعاني هو الآخر في بطولة بحجم الدوري تحتاج إلى ثبات المستوى على طول الخط.

تشيلسي حامل اللقب ليس أفضل حالاً من الآخرين، جاء موراتا وسيرحل كوستا، ولا يوجد في السوق أفضل من البرازيلي، لذلك سيتأثر خط الهجوم بعض الشيء على مستوى تسجيل الأهداف. وبالعودة للموسم الماضي، سنجد قوة تشيلسي في البدايات وانخفاض مستواه بالنهايات، إنها متلازمة كونتي الشهيرة في البدأ بأفضل شكل ممكن مع الختام الضعيف، بالإضافة إلى صعوبة منافسته عبر أكثر من ضفة. في يوفنتوس على سبيل المثال فاز بالدوري ثلاثة مواسم مع فشل أوروبي واضح، ليواجه الاختبار هذه المرة مع "البلوز" في البريمرليغ وعصبة الأبطال.

(3)

توتنهام في المقابل أفضل فريق إنجليزي في الموسم الماضي، وكان يستحق اللقب في النهاية لولا بدايته السيئة وإضاعته لعدد من النقاط السهلة. وينتهج المدرب ماوريسيو بوكيتينو سياسة الاعتماد على المواهب التي يمتلكها مع بعض الإضافات البسيطة، ويعتبر هذا الفريق هو الأميز تكتيكياً، نتيجة قدرته على اللعب بأكثر من خطة، وثبات مستوى نجومه كديلي آلي وإريسكن وهاري كين، لكن لا يملك السبيرز الدكة القوية والإمكانات التي تسمح له بإضافة "سوبر ستار" حقيقي إلى المجموعة، لتبقى كل الخيارات متاحة أمامه في الموسم الجديد، إما مواصلة المنافسة المشرفة أو تحقيق الإنجاز هذه المرة.

مسعود أوزيل (رويترز)
مسعود أوزيل (رويترز)

أما ليفربول، فكلوب يواصل اللعب وفق طريقته الخاصة، الضغط المتواصل وتنفيذ المرتدة السريعة داخل نصف ملعب الخصوم، لذلك يتعاقد مع اللاعب الذي يستطيع تنفيذ فكرة، كالمصري محمد صلاح ومن قبله السنغالي ساديو ماني، ثنائي سريع وقوي لا يكل ولا يتوقف عن الحركة، مع مهاجم غير تقليدي مثل فيرمينو وصانع لعب ممتاز بقيمة كوتينيو، لكنه سيواجه نفس المشاكل أيضاً أمام الصغار، عندما يتركون الكرة له ويقللون من سياسة المرتدات العكسية قدر المتاح. "الريدز" هذا الموسم أقوى من السابق، صلاح وسولانكي في الموعد، لكن لا يوجد بديل لفشل صفقة فان ديك.

ولا جديد يذكر مع آرسنال، صحيح أن لاكازيت مهاجم قوي في صناعة اللعب، وكولاسيناك خيار مميز على الطرف، وسيفرق كثيراً مع فينغر شريطة الإبقاء على سانشيز، لكن لاتضمن هذه الصفقات العودة إلى القمة بعد سنوات طويلة من الغياب، فمسعود أوزيل يبدأ بشكل رائع ثم ينخفض مستواه مع الوقت، ويشبه موسم المدفعجية منحنى أداء لاعبهم الألماني جيداً، من خلال الأمنيات العالية والنهايات الصعبة، لكنه يبقى مرشحاً لمزاحمة الكبار كعادته كل موسم، في حالة تركيزه فقط على الدوري ونسيان المنافسة الأوروبية، مع رهانه الجديد على رسم 3-4-2-1، الخطة الأنجح في الدوري خلال الفترة الراهنة.

من الصعب الحديث عن بطل الدوري الإنجليزي من الآن، ليس بسبب عظمة الدوري كما يحلو لعشاقه تسمية السبب، ولكن لأن كل الكبار بلا استثناء لديهم عيوب قاتلة، قد تحرمهم من الحفاظ على مستواهم في لحظات الحسم، وقد تجعل أحدهم يستغلها لصالحه من أجل التجديف بعيداً في ظل غفلة الغير، كما فعل تشليسي وليستر، مع شعار واحد أتمنى تغييره هذا الموسم، "فعلها الأعور وسط العميان"!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.