شعار قسم مدونات

حبّ.. زواج.. طلاق.. وحجاب!

مدونات - امرأة على الكمبيوتر
صفنتُ طويلاً أمام قائمة المواضيع التي وضعتُها قبل عام عندما بدأت التدوين لأول مرة مع مدونات الجزيرة، كانت مقسمة ما بين إعلامي وإعلام اجتماعي من صلب تخصصي واهتمامي الأساسي، وما بين سياسي ونفسي وآخر اجتماعي وتربوي "بحكم أنني أصبحتُ زوجة وأماً" تذكرتُ كيف بدأت تلك العناوين تتبدل وتتغير وتتجمد وتتساقط تبعاً للأحداث والمجريات.. وتبعاً لكثرة وتكرار المواضيع ذاتها من قبل كتاب ومدونين آخرين.

كنت أتفاجأ أحياناً وأنا أتصفح المواضيع المنشورة لأجد عناويناً بنفس كلمات عناويني التي كتبتها في قائمتي ولم تنشر، فصرت محتارة ما بين توارد الأفكار بيني وبين أشخاص وكتاب لا أعرفهم، وبين شح الأفكار والمواضيع التي يمكن أن يكتب فيها.

ما الذي يشغل بال الناس في الحقيقة؟ ما زلت مقتنعة أن القضايا الاجتماعية تأخذ أكبر قدر من أولوياتهم أياً كانت أعمارهم وأسلوب حياتهم وظروف معيشتهم، وهذه ليست تهمة بل هي طبيعة إنسانية لا مفر منها، فالهم الاجتماعي يقع في أعلى هرم أولويات الإنسان. لكن المشكلة أن الأمر أصبح أشبه بالهاجس المؤرق الذي نبحث عنه ليل نهار في مواقع التواصل الاجتماعي لاعتقادنا أنه قد يحل قضايانا الاجتماعية الشائكة ويخلق وعياً بين الناس فيها.

لا نستطيع بالطبع التوقف عن الكلام والكتابة في المواضيع الاجتماعية بالذات، لكن المشكلة تكمن أن كثيراً منها أخذت أكبر من حجمها وراحت تتوسع حتى صارت تبدو كأنها فعلاً الهم الأول في الحياة.
لا نستطيع بالطبع التوقف عن الكلام والكتابة في المواضيع الاجتماعية بالذات، لكن المشكلة تكمن أن كثيراً منها أخذت أكبر من حجمها وراحت تتوسع حتى صارت تبدو كأنها فعلاً الهم الأول في الحياة.

فهل علينا أن نظل نكتب في ذات المواضيع أبد الدهر؟ عن الزواج والطلاق وتربية الأبناء وعن الحجاب وفرضه وعن خلعه.. وعن عمل المرأة من عدمه؟ وهل علينا أن نظل نفرض آرائنا في مقالاتنا ونكرر توجيه أصابع الاتهام فيما بيننا؟

لا نستطيع بالطبع التوقف عن الكلام والكتابة في المواضيع الاجتماعية بالذات، لكن المشكلة تكمن أن كثيراً منها أخذت أكبر من حجمها وراحت تتوسع حتى صارت تبدو كأنها فعلاً الهم الأول في الحياة.. فالزواج وكيفيته ومن تختار وكيف تختار أصبحت أكثر عناوين المقالات بحثاً.. كيف تختار الزوجة الصالحة وكيف تختارين الزوج الرائع.. تزوج هذه ولا تتزوجي ذاك.. نصائح تبدأ من تفاصيل أسلوب حياة الفتاة وطموحاتها وأحلامها وحتى صفات وأسلوب ومعاملة الزوج والحكم على طباعه من كرم وبخل.

فعند الحديث عن تأخر الزواج تصبح السماء ملبدة بالغيوم ويطغى الحزن والرومانسية والتوقعات الكبيرة، وعند الزواج تصبح الحياة حلوة والزوجة والزوج الرائعين ملاذ الحياة الآمن أو يصبح العكس تماماً، وعند الانفصال يبدأ الكلام عن تحرر المرأة من القيود وفضل الطلاق وحسنات إنهاء العلاقات الاجتماعية الموؤودة وصفات المجتمع الظالم للمرأة، الى ما لا ينتهي من عناوين متعددة تضرب على الوتر الاجتماعي "الحساس" لتنتهي الى تفاعل كبير من قبل القراء.

وفي قضية الحجاب.. فقد أشبعت وأنهكت كلاماً وشرحاً وتفصيلاً وتضليلاً، رغم أن المقتنعين بوجهة نظرهم سواء في وجوبه وفرضه ما يزالون مقتنعين وأولئك الذين يرون بعدم وجوبه وقرروا خلعه ما يزالون يدافعون عن رأيهم، ومع ذلك ما تزال من أكثر المواضيع تفاعلاً والتي توسع خلافات بين القراء والمتابعين لا أكثر.. فهل يمكن أن نغير آراء بعضنا البعض من خلال الكتابة وتكرار الحديث في ذات الأشياء كل مرة.

ولا يمكن لوم أحد على اختياره لهذه المواضيع الاجتماعية، وهذا الأمر ليس حكراً على منطقة دون أخرى، فالمتابع مثلاً لمواقع التواصل الاجتماعي في أنحاء العالم يعرف أن الظواهر الاجتماعية تلقى اهتماماً أكبر بكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والإعلامية مثلاً، بل إن غالبية الناس لا تتابع الأخبار السياسية بقدر ما تهتم بالأخبار المتعلقة بالزواج والطلاق والأطفال والقصص الحياتية والجرائم الاجتماعية.

لا بأس أن نكتب عن القضايا التي تؤرق شريحة الشباب، ولكن أن نكتب بعقلانية، أن نكتب بحقائق وأرقام واضحة.. أن نطرح المشكلة ونقترح حلول ونقدم مسائل عملية وليس مجرد تنظير بتنظير.
لا بأس أن نكتب عن القضايا التي تؤرق شريحة الشباب، ولكن أن نكتب بعقلانية، أن نكتب بحقائق وأرقام واضحة.. أن نطرح المشكلة ونقترح حلول ونقدم مسائل عملية وليس مجرد تنظير بتنظير.

ورغم أن الكيفية التي صارت تقدم فيها المادة الإعلامية اختلفت نظراً لانتشار المواقع الاجتماعية وفرض نفسها على الإعلام التقليدي، إلا أن معظم الدراسات الإعلامية العتيقة تهتم بوجهات نظر الجمهور وكيف يتلقون الأخبار وما هي طبيعة اهتمامات الجمهور وعلى ما تنصب، ومن خلال ذلك نستطيع أن نستشف ما علينا أن نكتبه ربما، وأي المواضيع نختار.

وصحيح أن بعض الكتاب بدأوا يهتمون بالكتابة عن القضايا المصيرية في بلادنا العربية من الثورات والأزمات المختلفة، وعن السفر والتاريخ والثقافات المتعددة وربطها بثقافاتنا، وغيرها من المواضيع التي تضفي صفات خاصة بشرقنا العربي، إلا أنها في واقع الأمر تقف على جنب عندما يبدأ الحديث عن القضايا الاجتماعية والتي تلقى قراءات وتفاعلات أكبر بكثير.

لا بأس أن نكتب عن القضايا التي تؤرق شريحة الشباب، بل يجب أن نستمر في الكلام فيها ولكن أن نكتب بعقلانية، أن نكتب بحقائق وأرقام واضحة.. أن نطرح المشكلة ونقترح حلول ونقدم مسائل عملية وليس مجرد تنظير بتنظير، ومناكفات بمناكفات ومحاولات من كل شخص ليثبت رأيه بأنه الأصح..

من حق كل شخص أن يعبر ويكتب ويدوّن ولهذا خلقت منصات التدوين الحُرّ.. لكن ذلك لا يعني أن ننكر حق القارئ أن يقرأ كلاماً منطقياً مدروساً ومفيداً وعملياً بذات الوقت، لأن العواطف وشرح المواقف المستمر والحروب بين الكتاب قد لا تفعل شيئاً سوى المزيد من تجييش المشاعر المؤقت المنتهي المفعول بعد فترة قصيرة.. وعلينا وعلى قضايانا الاجتماعية الشائكة السلام والرحمة بعد ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.